(1)
منهج الإدارة الحديثة للأوقاف
د. هشـام دفتردار
ملخص البحث
يعتبر الوقف مظهراً من مظاهر الحضارة الإسلامية لدوره الرائد في تحقيق العدالة الاجتماعية وإسهامه في عدالة التوزيع والتكامل الاجتماعي وتحقيق التوازن بين أطياف المجتمع. فقد شُـهد لمؤسسة الوقف الكثير من الانجازات في مجال التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية كما لعبت الأوقاف دوراً هاما في خلق النشاط الاقتصادي من خلال توفير فرص العمل وتوليد الناتج من السلع والخدمات فكانت الرابط بين أهداف التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية. وفي عصرنا الحاضر يتنامى الاهتمام بالوقف بعد أن تعددت أوجه الانتفاع به وتداخلت أنشطته في جميع قطاعات الاقتصاد كالصناعة والزراعة والتجارة ولم يعد الاهتمام بالأوقاف حصراً على الجهات الدينية، فقد شهد الوقف في العقدين المنصرمين عودة قوية في المحافل العلمية والاجتماعية والاقتصادية. ولُفتت الأنظار إلى مؤسسة الوقف لسببين رئيسين، الأول يتعلق بالحجم الكبير للأصول الوقفية الثابتة والمنقولة كثروة قومية، والثاني يتعلق بالمصارف الخيرية والاجتماعية المتعددة حيث أصبح الوقف جزأً كبيراً بما بات يعرف بالقطاع الثالث غير الربحي مضيفاً ما يقارب 10% إلى الناتج القومي في كثير من الدول.
ومع هذه النهضة الحديثة للأوقاف برزت قضايا قانونية وإدارية استوجبت أن ترافقها نهضة علمية تأخذ بمستجدات العصر والأساليب التقنية وتتبنى معايير الحوكمة والالتزام بأفضل الممارسات المهنية والأخلاقية من شفافية ورقابة وتخطيط إضافة إلى إدارة فاعلة ورشيدة ومتخصصة لإدارة الأوقاف على قواعد علمية حديثة. ومفهوم الجودة في الأوقاف له معنيين مترابطين أحدهما واقعي والآخر حسي. فالجودة بمعناها الواقعي تعني التزام المؤسسة الوقفية بإنجاز مؤشرات ومعايير حقيقية مرتبطة بالجوانب الاقتصادية والإدارية الهادفة إلى حماية الأصول والأعيان الموقوفة وتطويرها وتعظيم غلالها وحسن صرف ريعها. أما الجودة بمعناها الحسي فإنها تأتي في إطار الأسس والغايات التنموية لمؤسسة الوقف لبناء الإنسان بمكوناته الروحية والعقلية والجسمية.
إن حجم هذا القطاع وأهميته المتزايدة تبرز الحاجة إلى تطوير أنظمة وقوانين وآليات تتناسب مع خصوصية الوقف وتوجيه مصارفه المتنوعة وفقاً لحاجات المجتمع المعاصرة وتدبير عناصره استناداً إلى التقنيات الحديثة. فقد أصبحت هذه المعايير مطلباً ملحاً لنمو هذا القطاع حيث أن نموه على المدى الطويل مرتبط إلى حد كبير بموكبته لمستجدات العصر.