الصورة
دور مديرية الأمن العام في تعزيز الأسرة لتحقيق الأمن المجتمعي

   

      قال تعالى في محكم التنزيل: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثـَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" [الحجرات: 13].

     وقال تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الروم: 21].

 

     قلما يتذكر الإنسان يد الله التـي خلقت لهم من أنفسهم أزواجاً وأودعت نفوسهم هذه العواطف والمشاعر، وجعلت من تلك الصلة سكناً للنفس والعصب، وراحةً للجسم والقلب، واستقراراً للحياة والمعاش، وأُنساً للأرواح والضمائر، واطمئناناً للرجل والمرأة على السواء.

 

     إن الرجل والمرأة لكل منهما ما يميـزه عن الآخر ويجعل الارتباط به حُلماً للطرف الآخر، فالزوج يحلم بأن يجد السكن والهدوء والتقدير لدى الزوجة، وتحلم هي كذلك بأن تشعر بالأمان والحب والاهتمام من زوجها، ونتيجة لهذا الارتباط المقدس بينهما من خلال الزواج الذي شرعه الدين وحث عليه تنشأ الأسرة والتي تعتبـر المؤسسة الأولى في الحياة الإنسانية ونقطة البدء التـي تؤثر في كل مراحل الطريق وهي كذلك الأولى من ناحية الأهمية كونها مصدر إنشاء العنصر الإنساني وتنشئته والذي يعتبر أكرم عناصر هذا الكون، قال تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنـِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبـَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلـَىٰ كَثِيـرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً " [الإسراء: 70].

 

     وقد حرمت جميع الأديان السماوية جميع أشكال العنف ودعت إلى احتـرام حقوق المرأة والطفل وحثت على التعامل بالرفق واللين وأكدت جميع الديانات أن العنف يتنافى مع الفطرة السليمة وطبيعة التكوين البشري لأن الأصل فـي معاملة الإنسان مع غيـره يجب أن تقوم على مبدأ السلم والعفو والتسامح، أما القسوة والعنف فهو الاستثناء الذي لا يلـجأ إليه إلا العاجزون عن استخدام الطريق السليم فـي التعامل.

 

    وتعتبـر الجرائم التـي تحصل داخل الأسرة من أكثـر الجرائم وأشدها تعقيداً وتعود أسباب ذلك إلى انغلاق وحدة الأسرة عن الخارج واستفادة الفاعل من عنصر المباغتة والمفاجأة وتوفر عدم التكافؤ بين القوتين بحيث يكون المعتدي دائماً هو الأقوى والمسيطر على العلاقة وهذا يوفر الوقت الكافي لارتكاب الجريمة بأساليب مختلفة ومبتكرة.

 

     وحيث أن المجتمع الأردني كغيـره من المجتمعات يعيش مرحلة بناء حضاري ويسير بخطوات طموحة لتحقيق أهدافه ودعم كيانه فقد رافق هذا البناء بعض الظواهر ذات الجوانب السلبية التي قد تتضاعف آثارها وتصيب الـخلية الاجتماعية الأولى وهي الأسرة.

 

     وقد شهدت بعض الأسر الأردنية مؤخراً تغييـرات غيـر مرغوب فيها بمجال العلاقات بين أفرادها، فالأسرة التـي كانت وما زالت في ثقافتنا الإسلامية والعربية هـي مصدراً للأمن وفي تلبية الحاجات الأساسية للفرد منذ ولادته فقد أصبحت أحياناً تأخذ دوراً معاكساً بحيث أصبحت تشكل مصدراً للـخطر والإجحاف بحق أحد أعضائها.

 

     وقد تنبهت القيادة الهاشمية الحكيمة ونبّهت إلى مثل هذه الظواهر فقد سبق لجلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه أن أشار إلى ضرورة الاهتمام الجدي بمثل هذه الظواهر، فقد جاء بخطاب العرش السامي سنة 1996: (أن العنف من أهم الظواهر الخطيـرة التـي ما تزال مصدر معاناة للمرأة، فهو لا يليق بمجتمع التكافل الذي هو مجتمعنا العربي الإسلامي، كما أنه يتناقض بشكل واضـح مع دعوتنا المستمرة إلى الحفاظ على الكرامة الإنسانية وسائر حقوق الإنسان).

 

      وجاء في خطاب العرش السامي لجلالته أمام مجلس الأمة بتاريخ 11/11/1997 ما نصه: (لهذا يجب أن نظهر اهتماماً جدياً لبعض الظواهر التـي ما زالت مصدر معاناة للنساء وهي تشكل خرقاً لا إنسانياً لـحقوقهن الأساسية، أما فيما يختص بالأطفال وعلـى الرغم من كل الجهود المضنية فما زال هناك عدد من الممارسات السلبية والضارة والمخزية والتي يجب أن نواجهها جميعاً بشـجاعة وتصميم كما أن الطفل وقع ضـحية أخرى لأشكال أخرى من العنف سواءً في المنزل أو في المجتمع).

 

     وقد أكد حضرة صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني بن الـحسين حفظه الله ورعاه على ضرورة معالـجة هذه الظواهر حيث جاء في البند السادس عشر من كتاب التكليف السامي الموجه لدولة رئيس الوزراء سنة 1999 ما نصه: (أصبحنا نشهد بعض الظواهر التـي تسبب المعاناة للمرأة أو انتهاكاً لبعض حقوقها الأساسية ولذا نتطلع إلى تعديل التشريعات التـي تنقص من حقوقها أو توقع الظلم عليها...، كما أن الطفولة بحاجة إلى رعاية خاصة تحميها من العنف والتشرد والاستغلال وتوفر لها النمو الطبيعـي المتوازن داخل الأسرة وفي المجتمع ومؤسسات الرعاية الاجتماعية). 

  

     وتؤكد جلالة الملكة رانيا العبدالله علـى أهمية الأسرة ورعايتها بقولها: (قد يكون من الحكمة استخدام صيغة جديدة تجمع الحلول والأساليب التقليدية والمبتكرة بما يضمن استمرار الرعاية والمحافظة على وحدة الأسرة بكل أفرادها لتخدم كأساس ثابت لأي مجتمع صحي ومستقر)، وقول جلالتها أيضاً: (العناية بكل فرد من أفراد الأسرة هي مسؤوليتنا تجاه مجتمعاتنا فالأسرة المتماسكة هـي الأقدر على مواجهة تحديات العصر وتحقيق التقدم).

 

      وتفعيلاً للدور الإنساني والاجتماعي الذي تقوم به مديرية الأمن العام وترسيخاً لمهمتها في متابعة ومعالـجة قضايا العنف الأسري التي يتعرض لها الأطفال والنساء وكبار السن فقد بادرت المديرية عام 1997 إلى استحداث إدارة هي الأولى في الشرق الأوسط لتعنى بقضايا الأسرة، حيث ارتكزت هذه المبادرة للرؤية الشاملة والعميقة لجلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله والذي يولي اهتماماً كبيـراً لتنمية المجتمع وحماية وحدته الأساسية والمحافظة على استمرارها.

 

     وتنطلق إدارة حماية الأسرة في إجراءات عملها بما يتضمنه الدستور الأردني والتشريعات والقوانين المحلية والمواثيق الدولية بحقوق الإنسان وذلك بما يتواءم مع شرائعنا السماوية وموروثنا الثقافي والاجتماعي الإيجابي.

 

      وقد حققت الإدارة إنجازات كبيـرة وشكلت نموذجاً أردنياً متميـزاً عزز من العمل التشاركي بين مديرية الأمن العام والوزارات والمؤسسات الحكومية وغيـر الحكومية ذات العلاقة في هذا المجال كانت رؤيتها في عملها أن الأمن الأسري هو الركيـزة الأساسية في الأمن الاجتماعي وعليه فإنه لا بد من تضافر جهود الجميع لضمان استمرار الرعاية والمحافظة على وحدة الأسرة لتخدم كأساس ثابت لأي مجتمع صحي ومستقر.

      

     من هذا العمق انطلقت إدارة حماية الأسرة فـي مهمتها وأسهمت في مواجهة العنف الأسري أحد أهم القضايا الاجتماعية المنتشرة عالمياً والتـي تحظى باهتمام كبيـر فـي المجتمعات المعاصرة لارتباطها بالأسرة التـي لابد بذل الجهود لحمايتها من أية انتهاكات قد تتعرض لها.