إن في الفرائض التي فرضها الله تعالى على خلقه من العبادات حكم وأسرار ومصالح تعود على العباد بالتأكيد بالخير في الدنيا والآخرة.

وقد ذكر أهل العلم أن الأصل في العبادات هو التعبد بها حتى وإن لم تدرك أسرارها أو تعرف حكمتها، إذ الأصل في المسلم أن يمتثل الأمر ويجتنب النهي تعبداً لله تعالى وانقياداً لحكمته، والصوم من العبادات التي حث عليها الله سبحانه وتعالى.

كما أنها من أمتع العبادات التي تشعر العبد بصلته القوية بالله عز وجل وبحلاوة طاعته والامتثال لأوامره وشرعه.

ومن فضل الصيام أن الله تعالى أنزل القرآن الكريم في ليلة القدر والتي هي خير من ألف شهر.

ولأهمية الصوم لحياة الفرد والمجتمع فرضه الله تعالى على كل الأمم التي سبقت أمتنا (أمة محمد عليه الصلاة والسلام) فقد شرع الله الصيام تزكية لنفس الإنسان وتهذيباً لسلوكه ووقاية وعلاجاً لما قد يصيبه من علل وآفات في نفسه وجسده من جراء كثرة الأكل.

قال تعالى: {يأَيُّهَا  الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى واَلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ  الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ  الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ  وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)} [البقرة: 183 - 185].

ومن الأحاديث النبوية الشريفة في فضل الصيام وبيان فوائده:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يسخط، ولا يجهل، فإن شتمه أحد، أو قاتله، فليقل: إني صائم، إني صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما: (إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه) - رواه أحمد ومسلم والنسائي.

أما حكم الصوم فهو فرض على كل مسلم ومسلمة ومن أنكر صيام رمضان فقد كفر لأنه قد أنكر ركناً أساسياً من أركان الدين، أما من تكاسل عن الصيام وهو لا ينكره فهو مسلم عاصٍ يستحق عقاب الله تعالى. ولقد فرض الصيام على المسلمين في المدينة المنورة بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك في السنة الثانية من الهجرة في اليوم الثاني من شهر شعبان فأصبح منذ ذلك التاريخ فرضاً على كل مسلم ومسلمة

 قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى واَلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185].

إن الصيام وسائر التشريعات الإلهية جاءت لمصلحة الإنسان سواءً كانت هذه المصلحة روحية ونفسية أو تهذيبية وسلوكية أو كانت بدنية مادية للحفاظ على الصحة الجسدية. لذلك فرض الله سبحانه وتعالى الصيام علينا وعلى جميع الأمم التي من قبلنا.

 ففي كتب التفسير يقول الرازي في تفسيرها: (هذه العبادة كانت مكتوبة وواجبة على الأنبياء والأمم منذ عهد آدم عليه السلام إلى عهدنا هذا، ما ترك الله أمة إلا فرضها عليهم، ولم يفرضها عليكم وحدكم).

وفي تفسير المنار: (كتب الصيام على أهل الملل السابقة، فكان ركناً لكل دين، لأنه من أقوى العبادات وأعظم ذرائع التهذيب، وفي إعلام الله تعالى لنا بأنه فرضه علينا كما فرضه على الذين من قبلنا إشعاراً بوحدة الدين في أصوله ومقصده وتأكيداً لأمر هذه الفريضة والترغيب فيها).

ففي أسفار التوراة التي بين أيدينا في هذه الأيام لا يوجد ما يدل على فريضة الصيام، وإنما فيها مدح الصيام والصائمين، وثبت أن موسى عليه السلام صام أربعين يوماً، واليهود في هذه الأزمنة يصومون أسبوعاً تذكاراً لخراب (القدس) في عهد الرومان ويصومون يوماً من شهر آب.

وأما النصارى فليس في أناجيلهم نص واضح في فريضة الصوم وإنما فيها ذكره ومدحه واعتباره عبادة، وأشهر صومهم وأقدمه الصوم الكبير الذي يأتي قبل عيد الفصح والذي صامه موسى وكان يصومه عيسى عليه السلام، ثم وضع رؤساء الكنيسة دروباً أخرى من الصيام وفيها خلاف بين المذاهب والطوائف المسيحية، ومنها صوم عن اللحم، وصوم عن السمك، وصوم عن البيض، وإلى آخره، وكان الصوم المشروع عند الأولين منهم كصوم اليهود يأكلون في اليوم والليلة مرة واحدة وصاروا يصومون من نصف الليل إلى نصف النهار.  

كثير من الأمم القديمة مارست الصوم أيضاً باعتباره عمل من الأعمال الحسنة فمارسه الفرس والروم والهنود اليونانيون والبابليون والمصريون القدماء وكانت الكنيسة الكاثوليكية ترى أن في الصوم التام: أي بالامتناع عن جميع الأطعمة، أو الصوم الجزئي: أي الامتناع عن بعض الأطعمة خلال فترة من الزمن تكفيراً عن بعض الذنوب وضرباً من ضروب التوبة.

أما الكنيسة الرومانية فقد كانت تنصح بالصوم خلال فترة من الزمن مع تناول وجبة واحدة خلال اليوم ولم تحدد لها ساعة معينة.

وقد كان المسيحيون القدماء يصومون أيام الأربعاء والجمعة والسبت من كل أسبوع وكانوا يلجؤون إلى الصيام التماساً للنجاة من المصائب التي قد تحل بهم كما أن المطران كان يأمر بصوم يوم كلما ظهرت بوادر بلاء عام وفي بداية القرن الرابع الميلادي حيث عصر الاضطهاد الشديد للنصارى عرف ما يسمى بالصوم الأكبر وهو إمساك عن الطعام أربعين يوماً اقتداءً بصوم موسى وعيسى عليهما السلام.

وكان الاعتقاد الشائع في هذا الوقت من الزمن أن الشياطين تدخل الإنسان عندما يأكل ولكي يتصل الإنسان بالله لابد له قبل كل شيء من أن يطرد الشياطين ويطهر نفسه؛ الأمر الذي يتم بالإحجام عن الطعام وقد جاء بإنجيل مته: لا تخرج الشياطين إلا بالصلاة والصوم.

وقد كان العبرانيين القدامى يصومون أيضاً في أيام الحداد وفي أوقات الخطر كما أنهم صاموا ليعبّروا عن شكرهم لله لما دفع عنهم من بلاء، ولا يزال يوم الغفران يوم صوم في التقويم العبري.

وكان بعض الفلاسفة واليونانيين القدامى يصومون عدة أيام متواصلة خلال السنة وكانوا يعتبرون الصوم خلال فترات معينة أحسن طريق لتعليم النفس وتهذيبها كي تتحمل المشاق العسيرة من الحياة فكان سقراط وأفلاطون يصومون عشرة أيام في السنة.

وكان السوريون القدامى يتركون الطعام كل سابع يوم، وكذلك صام المنغول فتركوا الطعام كل عاشر يوم.

وكان الكهنة يتحملون صوماً طويلاً قبل الخوض في العبادة والتعمق بأسرار دياناتهم.

ومن الجدير بالذكر أن هنالك مخلوقات غير الإنسان تصوم وهي كثيرة ومنها الضفادع التي تصوم طيلة الشتاء لما يعرف بالبيات الشتوي، وبعض الحشرات، وتصوم الطيور خلال هجرتها وكذلك سمك السلمون وغيرها.   

وأيضاً عندما تمرض الحيوانات تصوم وتمتنع عن الأكل.

وبعد انتشار الإسلام وممارسة الصيام الإسلامي عند كثير من الأمم تبين فضل هذا الصيام وفوائده فوصف الطبيب المسلم ابن سينا الصوم لمعالجة جميع الأمراض المزمنة ووصف الأطباء المسلمون في القرنين العاشر والحادي عشر صوم ثلاثة أسابيع للشفاء من الجدري ومرض الداء الإفرنجي (السيفلس) وخلال احتلال نابليون لمصر جرى تطبيق الصوم في المستشفيات للمعالجة من الأمراض التناسلية.

وفي عصر النهضة في أوروبا أخذ علماؤها يطالبون الناس بالحد من الإفراط من تناول الطعام والانغماس في الملذات ويقترحون الصوم للتخفيف من الشهوات الجامحة والحد من الانغماس الزائد وراء الطعام والشراب، لذلك يجب علينا أن لا نأكل إلا بقدر ما هو ضروري.

إن الزيادة فيما نتناوله من كميات الطعام تعطينا لذة وسرور لوقت قصير ولكن علينا في النهاية أن ندفع نتائج ذلك مرضاً ومشقة كبيرة للتخلص من الأوزان الزائدة.

إن الإنسان في العصر الحديث لا يأكل لأنه جائع بل يأكل ليرضي شهوته للطعام.

وهذا بعكس ما جاء ذكره في القرآن الكريم والحديث الشريف والذي يعتبر أفضل وخير طريقة لتجنب الإصابة بالسمنة وبالكثير من الأمراض المؤذية.

 قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31].

كما في الحديث الذي رواه ابن ماجه والترمذي وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لابد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه).

وإذا قارنّا ما بين الصيام الشرعي الإسلامي وما بين الصيام الطبي (وهو التجويع الكامل لفترة من الزمن تتراوح ما بين أسبوع إلى عدة أسابيع مع السماح فقط بشرب الماء) يتبين لنا الفرق الشاسع بين الصيام الشرعي ويسره وبين خطورة ما يسمى بالصيام الطبي والذي يتوجب الضرورة المطلقة للإشراف الطبي ودخول الإنسان إلى المستشفى للمراقبة في هذا النوع من الصيام فقد أثبتت الدراسات بأن الصيام الطبي له من الفوائد الكثير في علاج السمنة والتخلص من الكولسترول وبعض الأمراض النفسية والعصبية والتخلص من بعض السموم والشحوم وتجديد الخلايا وغير ذلك.

أما فضل الصوم في الدنيا فمن الإعجاز في عبادة الصوم أن صيام شهر في كل عام يريح أكثر أجهزة الجسم وأعضائه ويساعده على التخلص من الكثير من الفضلات والسموم المتراكمة داخل الجسم ويجدد حيويتها وقوتها ويفيد في علاج كثير من الأمراض مثل اضطرابات الأمعاء المزمنة والبدانة (أي زيادة الوزن) وزيادة ضغط الدم وبعض أمراض الكلى وكثيراً من الأمراض الأخرى.

فكما ذكرنا أن دراسة الحكم للتشريعات الإسلامية أمر هام ليزداد الذين آمنو إيماناً كما أنها دعوة لغير المؤمنين إلى هذه التعاليم الإلهية السمحة التي يستفيد منها المسلم في دينه ودنياه وآخرته، كما وفيها منافع عديدة في حياته الروحية والنفسية والجسدية.

فالصيام معجزة علمية، ففيها وقاية من العلل والأمراض النفسية والجسمية وفي هذا تحقيق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصوم جُنَّة) ومعنى الجُنَّة هي الوقاية والستر.

ففي الصيام منافع كثيرة للأصحاء والمرضى ونستدل على ذلك بقوله تعالى: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كنتم تعلمون}

وكما أن الصيام له فوائد كثيرة لمن لا يعاني من أي مرض فإن فيه أيضاً فوائد للكثير من الأمراض (كما سأبين لاحقاً) إلا عند حدوث المشقة فعندها يأتي العذر.

وقد يتساءل الناس عن الفائدة من ذكر أسرار العبادات وحكمها وللإجابة عن ذلك نقول:

أولاً: - إن الله تعالى علمنا في كثير من آيات الكتاب المبين أسرار تشريعه وفوائده ليحفز أذهاننا وأفكارنا على العمل لنتبين أن هذه التشريعات الإلهية لم تقم إلا على ما يحقق للناس مصلحة أو يدفع عنهم ضرراً.

ثانياً: - الإسلام لا يتنكر للعقل ولا يخاطب الناس إلا بما يتفق مع التفكير السليم والمنطق السديد وفي كل عصر نرى فوائد التشريع بما يتفق مع التفكير والمنطق والمصالح العامة وهذا دليل قاطع على أن مصدر الإسلام هو من عند الله سبحانه وتعالى.

في كل حقبة من الزمن يثبت العلم الحديث فوائد وحكم وأسرار العبادات مما يقوي إيمان الناس ويزيد من يقينهم، فالله سبحانه وتعالى لا يأمرنا إلا بما فيه سعادة العباد وصلاحهم في عاجل أمرهم وآجله.

ولكن ثبت علمياً بما لا يدع مجالاً للشك بأن الصيام أيضاً وقاية من الكثير من الأمراض.

فوائد الصيام الوقائية كثيرة وهي:

• الوقاية من مرض العصر أي السمنة ومضاعفاتها (السكري وارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين والأزمات القلبية والكثير من المضاعفات).
• تقوية جهاز المناعة (مما يقي من الكثير من الأمراض).
• مضاعفة كفاءة جهاز المناعة عن طريق الخلايا اللمفاوية وهي جزء أساسي في رفع كفاءة المناعة حيث تتضاعف كفاءة الخلايا اللمفاوية مع الصيام عشرة أضعاف. والخلايا اللمفاوية هي خلايا تجري في الدم وتدمر الخلايا المريضة ثم تدمر نفسها.

 فجهاز المناعة يخلص الجسم من السموم التي تتراكم في الأنسجة الدهنية بشكل خاص وبقية أجهزة الجسم بشكل عام.

إن جهاز المناعة هو الحامي على مدار الساعة ومدار الأيام ومن الجدير بالذكر بأن جهاز المناعة موجود لدى جميع الكائنات الحية.

• في عام 2016 حصل العالم الياباني (Osumi Yoshinovi) على جائزة نوبل في الطب تقديراً لإسهامه في مجال التعرف على كيفية قيـام الجسم البشـري بتكسيـر وإعادة مكـونات الخلايا وهي النظرية التي تعرف (بالتدمير الذاتي للخلايا) أو الالتهام الذاتي.

ما هو الالتهام الذاتي (Autophagy):

• كلمة Autophagy  مشتقة من الكلمة اليونانية (Auto – الذات) و (Phagy – التهام) فهي تعني حرفياً التهام الذات – أي أن خلايا أجسامنا تأكل نفسها Autophagy = means body eating itself.
• وتمكن (Osumi) من تحديد الجين المسؤول عن تنظيم عملية الالتهام الذاتي وهو مصطلح طبي حديث يعبر عن إلتهام الخلايا الدهنية والأجزاء التالفة وتحويلها إلى مواد عضوية وإصلاح التلف، وأوضحت جمعية نوبل بالسويد في بيان لها أن اكتشافات (Osumi) قادت إلى فهم كيف تعيد الخلية تدوير مكوناتها، وأوضحت أن هذه الاكتشافات الطريق أمام فهم الكثير من العمليات الفسيولوجية مثل التكيف مع الحرمان والصيام عن الغذاء والماء.
• فالالتهام الذاتي هي الوسيلة لتخليص الجسم من كافة الخلايا والأغشية القديمة والبروتينات عندما لا يتوفر المزيد من الطاقة للمحافظة على نشاط الجسم.
• وهناك آلية أخرى تسمى الاستماتة (Apoptosis) أي الموت المبرمج. فالخلايا مبرمجة لتموت بعد عدد محدد من الانقسامات وهذه العملية ضرورية للحفاظ على الصحة الجيدة، فعندما تصبح الخلايا هرمة من الأفضل برمجتها لتموت بعد انتهاء فترة وظائفها النافعة.
• إن الالتهام الذاتي يتيح للخلايا القضاء على الأجسام والمواد غير المرغوب فيها والتي قد تمكنت من التسرب إلى داخل الخلايا مثل الفيروسات والبكتيريا والسموم والبروتينات المتحللة والتي تكون متورطة في بعض الأمراض المعدية والاضطرابات العصبية والسرطان وإلخ...

ما الذي ينشط الالتهام الذاتي؟

قال (Osumi) في أبحاثه حين يجوع جسد الإنسان – يلتهم ذاته – ويقوم بعملية تنظيف لجسده وذلك بالتهام كل الخلايا السرطانية وخلايا الشيخوخة و الفيروسات ويحافظ على شبابه ويحارب أمراض السكري والضغط والكثير من مسببات الأمراض عن طريق تكوين بروتينات خاصة لا تتكون إلا تحت ظروف معينة. وعندما يصنعها الجسم تتجمع بشكل انتقائي حول الخلايا الميتة و السرطانية والمريضة وتعيدها إلى صورة يستفيد منها الجسم (وهذا ما يشبه بتدوير المخلفات أي Recycling).

هنالك توازن بين البناء والهدم، فإن حدوث كثير من الإلتهام الذاتي يضر، كما أن انخفاض معدلات الإلتهام الذاتي يضر أيضاً – وهذا يعيدنا إلى دورة الحياة الطبيعية (إطعام وصوم) وليس الحميات المستمرة.

وبذلك يحدث نمو الخلايا خلال فترة الطعام، وهدم الخلايا (بالالتهام الذاتي) أثناء الصيام.

فالحياة تتمحور كلها حول التوازن.

قال صلى الله عليه وسلم: (... أصوم وأفطر).

• هذه العملية التي تسمى الالتهام الذاتي (Autophagy) تحتاج إلى ظروف معينة تجبر الجسم عليها وتتمثل هذه الظروف بالامتناع عن الطعام والشراب لمدة تتراوح بين 8 – 16 ساعة بشرط أن يستمر الإنسان في تلك الفترة بممارسة حياته العادية مع تكرار هذه العملية لفترة من الزمن.

  وأثناء هذا الحرمان الكامل والمتكرر يومياً تنشط جسيمات بروتينية غريبة تسمى (Autophagisomes) تتكاثر في كل أنسجة الجسم وتكون أشبه بمكانس عملاقة تتغذى على كل الخلايا غير الطبيعية التي تجدها.

   فالالتهام الذاتي يعتبر الطريقة المثلى لتخليص الجسم من السموم والفيروسات وهي هدية إلهية مجانية وصيانة دورية للجسم من الأمراض.

• ونصحـت الدراســة بعمل ما يسمـى (Starvation) أي الجـوع والعطـش (8 – 16 ساعة) يومــان أو ثلاثة أيام أسبوعياً.

فوائد الصيام والصيام المتقطع:

• التحفيز المستمر لوظيفة الإلتهام الذاتي والذي يحقق أهداف صحية للجسم.
• التخلص من الشعور بالجوع.
• التخلص من الوزن الزائد.
• علاج للأمراض المستعصية مثل السرطان والسكري وضغط الدم وانسداد الشرايين.
• تحفيز وتنشيط عمل الدماغ وتعزيز التفكير.
• تقليل الالتهابات والأكسدة في الجسم.
• تنظيم إفراز هرمونات الجسم وتحفيز عملية الأيض.
• الشعور بالنشاط والحيوية.
• عكس الشيخوخة وتقليل أعراض التقدم بالعمر (الخرف والزهايمر).

لقد فرض الله تعالى علينا الصيام شهراً في كل عام منذ أكثر من 14 قرناً.

وحديثاً وفي السنوات الأخيرة أثبت لنا العلماء بالاكتشافات والأبحاث الدقيقة القطعية والتي لا تدع مجالاً للشك كيف أن الجزيئات الصغيرة تتأثر بالصيام لتلتهم وتنظف وتنقي الخلايا من البقايا المتراكمة طوال العام ليضع الله لنا هذا الشهر بالإضافة إلى العبادة كفترة يراجع فيها الجسد نفسه ويعيد بناء جهاز مناعته.

فسبحان الله العظيم على نعمه (الذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) وأبدع في كل ذرة من خلقه. قال تعالى: (وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون) صدق الله العظيم العليم. فها قد أصبحنا نعلم بعض الفوائد العظيمة

وعلينا الاستمرار بالبحث والتفكر لقوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)}، وقوله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}.

والسنة النبوية تحث على صوم يومين في الأسبوع - الاثنين والخميس بالإضافة للنوافل.

وهذا دليل قاطع بأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى – بل هو وحي يوحى .

إن للصيام من الفوائد البدنية والنفسية والأسرار والحكم الطبية ما يحير ويعجز وهذا مصداق لقوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحق} [فصلت: 53].

{سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَليمُ الْحَكيمْ} [البقرة: 32].

{وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة: 255].                                                             

وها قد شاء الله تعالى بأن هدى العلم والعلماء لاكتشاف بعض أسرار آياته الكريمة.

قال صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما أبداً: كتاب الله وسنتي) رواه الإمام مالك.