يتكون القَلْب من مضخة عضلية، مهمتها الأساسية استقبال الدَّم الوارد من سائر أعضاء البدن وضَخّه إلى الرئتين لتنقيته، ثم استقبال الدم النقي العائد من الرئتين محملاً بالأكسجين ليضخّه ويوزعه على سائر أعضاء البدن، وخلال عملية الضخ هذه يوزع القلب المواد الغذائية والأكسجين على 100.000 كم من الأوعية الدموية ولجميع أعضاء الجسم المختلفة. ويتكون القلب من خلايا نبيلة لا تتكاثر ولا تتجدد ولا تتغير، فهي ترافق الإنسان من بداية حياته إلى نهايتها، ويبلغ وزن القلب ما بين 250 – 300 غرام للأنثى، و 300 – 350 غرام للرجل، وهو يضخ الدم بمعدل 5 لترات دم/ الدقيقة، أي 300 لتر/ الساعة أي 7200 لتر/ اليوم دونما توقف ليلاً أو نهاراً. كما ينبض بمعدل 70 نبضة في الدقيقة، أي 100.000 نبضة في اليوم، و 25 بليون نبضة خلال 70عاماً. ولو توقف الدم عن الدماغ دقيقتين لأصيب الدماغ إصابة بالغة تؤدي إلى غيبوبة قد يفيق الإنسان منها أو لا يفيق، وإذا توقف الدم عن الدماغ لمدة أربع دقائق فقط، فإن هذا الشخص يعتبر في عداد الموتى لأن دماغه قد توفي ومات.
وهناك معطيات علمية طبية عن اكتشاف دماغ صغير في القلب مهيمن ومسيطر على الدماغ الكبير في الجمجمة. ويبلغ عدد خلايا هذا الدماغ حوالي 40 ألف خلية عصبية تفوق قدرتها قدرة خلايا الدماغ الكبير حيث أن المجال الكهربائي للقلب أقوى بــ (60) مرة من الدماغ الكبير، كما أن مجاله المغناطيسي أقوى بــ (5000) مرة من المجال الذي يبعثه الدماغ الموجود في الجمجمة. ويقولُ اللهُ تعالى: "أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ" [الحج: 46].
ولقد أجرى العلماء الذين يعملون على نظرية الطاقة القلبية في جامعة أريزونا بحثاً على 300 شخص استفادوا من زراعة القلب فوجدوا أن دماغ الشخص الذي زرع فيه القلب الجديد يتلقى إشارات كهرومغناطيسية من القلب المزروع تختلف عن الإشارات التي كان يتلقاها من القلب الأصلي. وبالتالي تتغير تصرفات وشعور وعواطف المرضى المزروع عندهم القلوب الجديدة فيحتاجون إلى معالجات نفسية واجتماعية بالإضافة للمعالجة الطبية بعد إجراء جراحة استبدال القلب. وهنالك قصص كثيرة عن التغيرات التي حصلت عند هؤلاء المرضى بعد زراعة القلوب.
ويعتبر القرآن الكريم والسنة المطهرة أن القلبَ من أشرف أعضاء البدن، وأن له وظيفة غير وظيفته الظاهرة وأنه هو المقصود بالمخاطبة الإلهية، وأنه يتدخل تدخلاً مباشراً في عمليات العقل والوعي والإدراك التي تُنسبُ عادة إلى الدماغ.
وقد ذُكرَ القلبُ في القرآن الكريم أكثر من 130 مرة، كما ورد في أحاديث نبوية كثيرة، وهو ما يشير إلى أهمية هذا العضو الذي سخره الله لنا. وقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:
« ألا وإنَّ في الجسدِ مُضغَةً إذا صَلُحَتْ صَلُحَ الجَسدُ كُلُّه، وإذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسدُ كُلُّه، ألَا وهي القَلبُ ». وصلاحَ القلبِ يعني صلاحُ الجسدِ كلِه، وكما أن فسادُه يعني فسادُ الجسدِ كلِّه، فالقلب هو الذي يحدد مصيرَ صاحبه لأنه هو مركز الفقه والعقل والهدى والخشية والوجل والفتوى والإيمان والتقوى والإنابة إلى الله، كما أنه مركز الكفر والعمه والمرض والنفاق والتكبر والقسوة والضلالة.
هذا وقد أشار القرآن الكريم إلى نوعين من القلوب وهي القلوب البيضاء السليمة والقلوب السوداء المريضة ؛ فالقلوب البيضاء هي: القلوب المطمئنة، والقلوب السليمة، والقلوب المنيبة، والقلوب الوجلة، والقلوب الشاكرة وغيرها. وأما القلوب السوداء فهي: القلوب المريضة، والقلوب القاسية، والقلوب الغليظة، والقلوب العمياء وغيرها. وهذا الموضوع غريب وشائك جداً، وقد اكتشفت بعد دخولي هذا العالم الواسع أنه أكبر مما أتصور، وقد بدأت الشواهد العلمية تتزايد يوماً بعد يوم مؤكدةً حقيقةَ وظائف القلب الجديدة، ومع تسليمنا بأن هذه الشواهد مازالت تتطلب المزيد من البحث لبيان الأسس الطبية التي تقوم عليها.
ويتجلى الإعجاز العلمي في الآية الكريمة التي نزلت على قوم أميين لا حظ عندهم من العلم والمعرفة في الإشارة إلى حقائق طبية وفسيولوجية كبرى لم يكتشفها العلماء - إلا بعد أكثر من أربعة عشر قرناً من نزول القرآن الكريم ولا يزال العلماء يكتشفون في كل يوم مزيداً من أسرار خلق الإنسان، ومثل هذه الحقائق التي يكتشفها العلماء والباحثون، ترفع مقاماتهم ودرجاتهم عند الله، فالله سبحانه وتعالى يرفع الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات، وكل ذلك دليل على أن هذا الكتاب تنزيل من الذي وسع كل شيء علماً وخلق الإنسان في أحسن تقويم.