بسم الله الرحمن الرحيم
" و قد خلقكم أطواراً"
تفرد الوحي المرسل الى الصادق المصدوق في زمن تنزّله و حتى يومنا هذا و الى ما شاء الله في ذكر آيات بينات في خلق الانسان. تفردا دقيقا في ذكر حقائق علمية على المستويين التشريحي و الخلوي في تطور الاجنة و تخلقها. بل إن أول ما نزل من كتاب ربنا إلى رسولنا الكريم و نطق به وحيا هو قوله تعالى :" إقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الانسان من علق" إشارة الى إعجاز علمي لا متناه في حجمه و دقيق و ضوحه.
في زمان لم توجد فيه المجاهر المكبرة للأشياء مئات المرات لترى نطف الانسان و ترصدها ، كان الوحي راصدا لها حاضرة معه، سابقا بذلك الكشوفات العلمية المقررة لهذه الحقيقة بمئات السنين.
و في زمان قرر فيه علم البشرية المتواضع أن الانسان يخلق دفعة واحدة كاملا في نطفة الرجل (النطفة المنوية) ثم عدلوا إلى نطفة المرأة ( البويضة) بعد اكتشافها حيث أنها أكبر، كان الوحي يقرر أن الانسان يخلق أطوارا، سابقا مرة أخرى الكشوفات العلمية المقررة لهذه الحقيقة بمئات السنين.
و ليس أمر الإعجاز في السبق فقط ، بل هو أيضا مكنون في دقة الوصف و البيان بإعجاز لغوي تذهل معه العقول في زمن التنزيل على قدرها، و تذهل معه في زماننا على قدر علمها، لتسلم ثم تذعن أن هذا الوحي هو من لدن عليم خبير خالق حفيظ.
دقة في المصطلحات الواصفة للأطوار و المراحل تشريحيا و وظيفيا. تسبق مرة أخرى و حتى يومنا هذا أفضل ما نشره علم الأجنة التشريحي في تعداد المراحل ووصفها.
بل أن الإعجاز العلمي في ذكر التفاصيل ما زال قائما معجزا، تفاصيل ما زال العلم البشري واقفا أمامها لا يجد لا تفسيرا بكل ما وصله من تقدم نوعي. كقوله تعالى " يخرج من بين الصلب و الترائب" ، و قوله صلى الله عليه و سلم :" إذا مرّ بالنطفةِ ثنتانِ وأربعون ليلة ،بعثَ الله إليها ملكاً، فصورها وخلقَ سمعها وبَصرها وجلدها ولحمها وعِظامها، ثمّ قال :يا ربِّ أذكرٌ أم أنثى ؟ فيقضي ربُكَ ما شاءَ ويكتبُ المَلك...).
و لا يغيب عنا حين نقرأ الوحي ذلك البعد الايماني الروحاني الفريد الذي يخاطب عقولنا و قلوبنا للإيمان بخالقها، مجيبا للانسانية عن الاسئلة الوجودية الكبرى من النشأة إلى المصير، و ليقرر حقيقة البعث و النشور، وأن الذي خلق أول مرة من العدم قادر على أن يخلق مرات عدّة، فتبارك الله رب العالمين أحسن الخالقين.
و نصل ختاما لمحاضرتنا بأقوال لأساطين علم الأجنة الحديث المبصرين بعد أن اطلعوا على ما ذكره الوحي قرآنا و سنة، ليذعنوا بأنه "هو الحق" و أنه "إن هو إلا وحي يوحى".
"وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ“
أما خلق الاطوار
فقد فصلت فيه آيات وأحاديث محكمة معجزة، بينته طوراً طوراً
مبتدئة بطور النطفة، والتي هي نطفه الرجل ونطفه المراة, نصف الخلايا التي اذا ما اجتمعت كونت بشراً بعد ان كانت أمشاجاً
"من نطفه اذا تمنى"
"خلق الانسان من نطفة فاذا هو خصيم مبين"
والنطفة هي الماء الصافي و هي القطره وهي المني كما أسماها القران العظيم
" وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان ربك قديراً"
" إنا خلقنا الإنسان من نطفه أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً"
ثم ينتقل بنا الوحي إلى طور العلقة " اقرا باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق"، في وصف بليغ آخر معجز، يتناسب مع الشكل والوظيفية والمهمة، وحتى التشريح الداخلي هذه العلقة الماصة للدم، كدود العلق. والمتعلقه بالرحم بانغراس كتعلق و انغراس بذرة في الأرض، "نساؤكم حرث لكم" تبدأ بها حياة الجنين معتمداً على أمه على بطانة رحمها.
ثم يتطور إلى طور المضغة " وجعلنا العلقه مضغة "، وأيضاً مرةً أخرى تتجلى أياته في الوصف الدقيق العلمي المعجز. فالمضغة هي أصغر ما يمضغ من الطعام، ويكاد يكون في حجم حبه العدس وهو كذلك حجم الجنين في هذه المرحلة وأنّه لمّا يمضغ يجعل حفرا مكان الأسنان، وكذلك هو الجنين عندما تتكون الفلقات الظهرية على طول الخط العصبي الأولي، لتكون فقرات العمود الفقري لاحقا.
و يتبعها طور تكوّن العظام بعد تكونها غضاريف." ثم خلقنا العلقه عظاماً" ثم يكسى باللحم "فكسونا العظام لحماً" مرحلة تتكون فيها أجهزه الجنين كلها من العظمي والعضلي و العصبي والدوراني والكلوي والغدد الصماء والكبد و...
تنمو هذه الأجهزه و تطوّر في آخر أطوار التخلق في طور النشاة الأخرى " ثم أنشأناه خلقاً أخر" طورا يتميز بالنمو وتعديل الحجم و التصوير " الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك" يعطي الانسان فيها صورته وبصماته المميزة " هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء" صورة الوجه وصورة البنان و قزحيه العين والرائحه والصوت . وكل ذلك كان محفوظا في مادته الوراثية نفسها مادة سيدنا أدم عليه السلام.
" وإذ أخذ ربك من بني أدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا"
" ولقد خلقنا الانسان من سلاله من طين "
" هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين" الأعراف.
"ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير"
" والله خلقكم من تراب ثم من نطفه ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من انثى ولا تضع الا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره الا في كتاب ان ذلك على الله يسير"
و صلى الله على سيدنا محمد المبعوث بالوحي رحمة للعالمين
معتز الاحمد