يقول تعالى: " أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ " [القيامة: 3 – 4].
أسباب النزول: جاء أحد المشركين (قيل إنه العاصي بن وائل) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل عظماً بالياً وقال: يا محمد إنك تزعم أن ربك يحيي الناس بعد موتهم، وفرك العظم بيديه فتفتت وتحول إلى نتف مبعثرة تذروها الرياح ونظر باستهزاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال: أيستطيع ربك أن يجمع هذا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم يجمعها ويحييها ويدخلك جهنم)، فما لبث النبي صلى الله عليه وسلم طويلاً، أن هبط الوحي الإلهي بهاتين الآيتين.
والبنان هو طرف الإصبع، وتسوية الشيء هي إتقانه وإحسان صنعه ودقة وضعه. وبصمات الإنسان هي تلك الخطوط البارزة التي تحاذيها خطوط غائرة أخرى منخفضة وتتخذ أشكالاً مختلفة على جلد أصابع وراحة اليدين من الداخل وعلى أصابع وباطن القدمين، وهذه الخطوط تترك طابعها على كل جسم تلمسه، وتتكون هذه الخطوط الحلمية مع الجنين في بطن أمه في الشهر الثالث والرابع من الحمل.
ويتناسب عدد البصمات عكسياً مع حجم الإنسان ونموه. وقد تمكن العلماء من معرفة عدد الخطوط التي توجد في ( 1 / 2 سم2 ) من بنان إحدى أصابع اليد فوجدوا أن عددها في الأطفال حتى سن 8 سنوات من 15 – 18 خطاً. وللأشخاص البالغين من 6 – 9 خطوط.
وتعتبر بصمات الإنسان أقوى دليل على شخصيته التي لا يشابهه فيها إنسان آخر مطلقاً، ولقد أثبت العلماء أن لكل إنسان رسوماً وخطوطاً في بنانه تختلف عن الآخر من بني البشر والبصمات تنطق باسم صاحبها. وكذلك تبين البصمات كلاً من معرفة الحرفة والحالة الصحية وتحديد نوع الشخص فيما إذا كان الشخص ذكرًا أو أنثى.
وفي عام 1892 م أثبت (فرنسيس جالتون) أن صورة البصمة لأي إصبع تعيش مع صاحبها طوال حياته فلا تتغير، وأثبت أنه لا يوجد شخصان في العالم كله لديهما نفس الرسوم الدقيقة على الإبهام.
وكما تتمتع بصمات الأنامل والقدم بالتميز، وقد أقر مؤتمر التاريخ الطبيعي الجنائي المنعقد في تورنتو بإيطاليا عام 1906 م أنه لا أثر للوراثة في بصمات أصابع أفرادها، كما أقرّ الخبراء اتخاذ البصمات كأساس علمي وعملي للتعرف على شخصية الأفراد ويكفي أن يكون بصمة إصبع واحد بل ولجزء من بصمة إصبع وذلك إذا ما انطبقت على بصمة أحد الأشخاص.
وتشير الآية الكريمة أن الخالق المصور سيبدع ما هو أعظم من إعادة خلق العظام، ألا وهو إعادة صنع الأصابع بلحمها وعظمها ودقة إحساسها، وبصماتها الخاصة بها والتي كانت للناس في حياتهم الدنيا وذلك رغم صغرها واختلاف مميزاتها ودقائقها.
وهذه البصمات أقرّتها الأبحاث والعلوم الحديثة، ألا وهو انفرادية كل بصمة إصبع عن الإصبع الآخر، وأنه لا يمكن أن تنطبق بصمتان في العالم لشخصين مختلفين، وأن لكل شخص تنوعاً لا حد له، بحيث تتميز بصماته بعلامات خاصة ينفرد بها دون أي شخص آخر، وهذا ما أضفى على البصمات أهميتها باعتبارها قاطعاً في تحقيق الشخصية.
وإن من الإعجاز الخَلقي في الإنسان أن تكون بصماته أدل عليه من وجهه وصورته وأقوى برهان على شخصيته وأدل عليه من إمضائه.
وأن إشارة القرآن الكريم لهذه الحقائق التي بدأ العلماء باكتشاف أسرارها ولا يزالون يكتشفون بعد أكثر من ثلاثة عشر قرناً بعد نزول القرآن الكريم وقد نزل على أمة أمية ليس لها حظ من العلم والمعرفة إنما يدل على إعجاز هذا القرآن، وأنه وحي يوحى، وأن هذا القرآن منزل من الذي خلق الإنسان والسماوات والأرض، والذي خلق كل شيء فقدره تقديراً.