الصورة
الطاقة الضوئية ودورها في النظام البيئي

الطاقة الضوئية ودورها في النظام البيئي

إعداد: أ. د. محمد حمزة الددو

 

القرآن الكريم يشير إلى دور الشمس وأهميتها في النظام البيئي من خلال الإشارات إلى عملها المستمر في توفير الطاقة اللازمة للحياة وتحقيق التوازن في الكون.  دور الشمس في السلسلة الغذائية يعود إلى دورها الحيوي كمصدر رئيسي للطاقة على كوكب الأرض.  تلعب الشمس دورًا حاسمًا في توفير الطاقة للكائنات الحية في السلسلة الغذائية من خلال التمثيل الضوئي حيث تعتبر الشمس مصدرًا رئيسيًا للطاقة لعملية التمثيل الضوئي التي تقوم بها النباتات. خلال هذه العملية، تستخدم النباتات ضوء الشمس لتحويل ثاني أكسيد الكربون والماء إلى السكريات والأوكسجين. فعندما يسقط الضوء تحدث إثارة للألكترونات الخارجية في الخلايا، ترفع هذه الطاقة طاقة الهيدروجين فيزداد تركيز أيونات الهيدروجين وينتج عنه منحدراً أيونياً كهربائياً وبذلك يتكون مركبات مرتفعة القيمة الطاقيةـ  ويستغل جزء من الطاقة الضوئية المنتقلة إلى الألكترونات في شطر جزيئات الماء إلى أيونات الهيدروجين وأيونات الأكسجين.  يدخل أيون الهيدروجين والمركبات الهيدروجينية مرتفعة الطاقة في العمليات الحيوية التي تنتهي بتركيب السكريات وينطلق الأوكسجين إلى الغلاف الجوي.  هذه السكريات تعتبر المصدر الرئيسي للطاقة في النباتات والكائنات الحية الأخرى التي تتغذى على النباتات.  بمجرد أن ينتج النبات السكريات من خلال عملية التمثيل الضوئي، يتم استخدام هذه السكريات كمصدر غذاء للعديد من الكائنات الحية الأخرى والتي تعتمد بشكل مباشر أو غير مباشر على النباتات للحصول على الطاقة والمواد الغذائية اللازمة لبقائها.  تنتقل الطاقة التي تتمثل في السكريات المنتجة من قبل النباتات إلى مستويات أعلى في السلسلة الغذائية عندما تتناول الكائنات الحية الأخرى النباتات أو تتناول كائنات حية أخرى تتغذى على الكائنات التي تتغذى على النباتات.  وهكذا، تنتقل الطاقة من مستوى إلى آخر في السلسلة الغذائية، وتختزن الطاقة الكيميائية في جذور وجدوع وأفرع النباتات لتشكل وقودا تعتمد عليه حياة الكائنات جميعا. بهذه الطريقة، يلعب ضوء الشمس دورًا حيويًا في توفير الطاقة لجميع الكائنات الحية في السلسلة الغذائية وبدون وجود هذه الطاقة الضوئية لم يكن للحياة الأرضية أي وجود مستدام. 

تعتبر عملية التمثيل أو البناء الضوئي هي أهم عملية تتم على سطح الكرة الأرضية. فكل كربوهيدرات ودهن وبترول وفحم العالم تكون وتخلص هذه العملية الإنسان من النسب الزائدة والمحررة من ثاني أكسيد الكربون وتطلق الأوكسجين في الهواء.  فهل هناك مصنع في العالم يقدر على ذلك؟!  وهل هذه العمليات تمت بالصدفة والعشوائية؟  نستعرض في هذا المقال شرحا مبسطا لعملية التمثيل الضوئي ومادة اليخضور التي تمثل أساس هذه العملية.

1- عملية التمتيل الضوئي:

تحتاج عملية التمثيل الضوئي إلى ضوء الشمس وثاني أكسيد الكربون والماء كمواد متفاعلة (الشكل 1). بعد اكتمال العملية، يطلق التمثيل الضوئي الأوكسجين وينتج جزيئات الكربوهيدرات، والأكثر شيوعًا الجلوكوز. تحتوي جزيئات السكر هذه على الطاقة التي تحتاجها الكائنات الحية للبقاء على قيد الحياة.  تَتمُ عمليةُ التمثيل الضوئي على مرحلتين: التفاعلات المعتمدة على الضوء ودورة كالفين والتي تحدث في الظلام. التفاعلات المعتمدة على الضوء تحدث في أقراص الثايلاكويد (القريصة) الموجودة في اليخضور حيث تمتص هذه الأقراص الطاقة من ضوء الشمس ثم تحولها إلى طاقة كيميائية باستخدام الماء. تطلق التفاعلات المعتمدة على الضوء الأوكسجين من التحلل المائي للماء كمنتج ثانوي.  في دورة كالفين والتي تحدث في حشوة اليخضور حيث تعمل الطاقة الكيميائية المستمدة من التفاعلات المعتمدة على الضوء على تحفيز: 1) احتجاز الكربون في جزيئات ثاني أكسيد الكربون و2) التجميع اللاحق لجزيئات السكر. يستخدم التفاعلان جزيئات حاملة لنقل الطاقة من أحدهما إلى الآخر.  يمكن اعتبار الناقلات التي تنقل الطاقة من التفاعلات المعتمدة على الضوء إلى تفاعلات دورة كالفين "ممتلئة" لأنها تجلب الطاقة. وبعد إطلاق الطاقة، تعود حاملات الطاقة "الفارغة" إلى التفاعلات المعتمدة على الضوء للحصول على المزيد من الطاقة.  هذه العملية المعقدة يمكن تلخيصها بالمعادلة الكيميائية في الشكل رقم (2).         

من خلال تسخير الطاقة من ضوء الشمس، سمحت عملية التمثيل الضوئي للكائنات الحية بالحصول على كميات هائلة من الطاقة وسمحت لها كذلك بتطوير هياكل جديدة وتحقيق التنوع البيولوجي الواضح اليوم.  فسبحان الله العظيم القائل في كتابه الكريم:  "وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۗ انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ".  الأنعام 99

 

Description: Photosynthesis is the origin of the products that comprise the main elements of the human diet. (credit: Associação Brasileira de Supermercados)

الشكل 1: عملية التمثيل الضوئي.

 

Description: The photosynthesis equation is shown. According to this equation, six carbon dioxide molecules and six water molecules produce one sugar molecule and one oxygen molecule. The sugar molecule is made of 6 carbons, 12 hydrogens, and 6 oxygens. Sunlight is used as an energy source.

الشكل 2: معادلة التمثيل الضوئي

2- اليخضور:

يلعب اليخضور الدور الرئيسي في عملية التمثيل الضوئي كما تم ذكره.  فما هو هذا اليخضور؟  تتكون البلاستيدة الخضراء من كتلة كثيفة من وسط مائي به بروتين تعرف باسم الحشوة (السدى) وتغلف بغلاف يتكون من غشائين يشبهان باقي الأغشية البلازمية في كون الغشاء يتركب من طبقتين بروتينيتين بينهما طبقة دهنية. وتحتوي الحشوة على أجزاء دقيقة محببة ذات لون أخضر تعرف بالبذيرات.  تتمثل الوظيفة الأساسية لليخضور أو البلاستيدة الخضراء في أنها موقع حدوث عملية البناء الضوئي داخل الخلية النباتية. ولكي تستطيع البلاستيدة الخضراء القيام بهذه الوظيفة، يجب أن تكون قادرة على امتصاص الطاقة الضوئية. الصبغات هي جزيئات تمتص أطوال موجية محددة من الضوء وتعكس البعض الأخر. تحتوي أغشية الثايلاكويد الموجودة في البلاستيدة الخضراء على صبغات متخصصة تسمى الكلوروفيل، وهي صبغات قادرة على امتصاص هذه الطاقة واستخدامها في عملية البناء الضوئي.  يمتص الكلوروفيل الأطوال الموجية الحمراء والبرتقالية والزرقاء وأغلب الأطوال الموجية الصفراء، لكنه لا تستطيع امتصاص الكثير من الأطوال الموجية الخضراء. ولهذا السبب، بيدو الكثير من أوراق النبات التي تحتوي على الكلوروفيل خضراء للعين البشرية.  يبين الشكل رقم (3) موقع وتركيبة اليخضور الداخلية.

Description: No photo description available.

الشكل رقم (3): موقع وتركيبة اليخضور.

 3- التوازن البيئي:

ترتبط عملية التركيب الضوئي بشكل مباشر بظاهرة الاحترار العالمي. فعملية التمثيل الضوئي تقوم بتحويل ستة جزيئات من ثاني أوكسيد الكربون إلى سُكّر، وبذلك تتم إزالة ستة جزيئات من ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي مقابل تكوّن جزيء واحد من السكر.  ثاني أوكسيد الكربون هو أحد غازات الدفيئة التي تؤدي إلى ظاهرة الاحترار العالمي، والنباتات هي إحدى الوسائل الأفضل لإزالة غازات الدفيئة.  وللعلم فإن دنم (1000م2)  واحد من الأشجار يستهلك كمية من ثاني أكسيد الكربون مكافئة لتلك التي تنتجها السيارة بعد سيرها لمسافة 10000 كيلو متر.  أما الأوكسجين الذي بدونه لا توجد حياة على هذه الأرض فإن أهم مصادره هو عملية التمثيل الضوئي. فكمية الأوكسجين التي تنتجه كل شجرة ناضجة مليئة بالأوراق الخضراء في الفصل الواحد تكفي 10 أشخاص لسنة كاملة وتقدر هذه الكمية بأكثر من 120 كغم من الأوكسجين.

4- الخلاصة:

النباتات هي أساس السلاسل والشبكات الغذائية التي تقوم عليها الحياة على سطح الأرض.  فهي مصدر التغذية والطاقة لجميع الكائنات الحية.  توفر النباتات هذا الغذاء بواسطة عملية التمثيل الضوئي من عناصره الأولية: الماء وثاني أوكسيد الكربون.  وهذا مصداقا لقوله تعالى "وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ".  فبدون الماء لا يوجد غذاء ولا توجد حياة.  أما العامل الأساسي في عملية التمثيل الضوئي والذي يحول الماء وثاني أوكسيد الكربون إلى غذاء فهو ضوء الشمس فسبحان  الله القائل: "هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً”.  فبدون الطاقة الضوئية لا يتم هذا التفاعل الذي تقوم عليه الحياة.  وبيّنا أن الوسط الذي يتم فيه هذا التفاعل الكيميائي الجبار هو اليخضور داخل خلايا أوراق الشجر فتعالى ربي العظيم القائل في آيه الحكيم: " فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا".  فالماء وثاني أوكسيد الكربون يتحولان إلى كربوهيدرات داخل اليخضور. يتم كل ذلك بشكل متوازن ودقيق وينتج عنه تنوع هائل في الثمار شكلا وطعما.  فسبحانه وتعالى القائل في محكم التنزيل "نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۗ انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ".  كما أن هذا الشجر الأخضر هو مصدر للطاقة التي تقوم عليها حركة الحياة ودلل على ذلك في قوله سبحانه " الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ".  فهذا الشجر هو مصدر الوقود الذي تقوم عليه حياة الأنسان منذ الأزل وإلى يومنا هذا ولو بأشكال مختلفة.  وختاما فإن عملية التمثيل الضوئي في النبات تصنع التوازن البيئي حيث تحافظ على نسب الأوكسجين وثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي لاستدامة الحياة على هذا الكوكب فتبارك الله أحسن الخالقين.