يتضمن جسم الإنسان مجالات متعددة ومتنوعة وخارقة في إعجاز التقدير والتكوين الرباني والإبداع الهندسي، وفي دقة التصوير والخلق لهذا الجسم الذي يبهر العقول ويأخذ بالألباب لما تضمنه من مجالات متنوعة في التناسق الدقيق والتكامل التكويني والأدائي والمناعي والوظيفي والهندسي، والذي يمكن الإنسان من القيام بمهامه المفطور عليها بكفاءة عالية، وباقتدار مستدام خلال حياته بمهارة عالية؛ سواء كان ذلك في الجانب الإرادي أو اللا إرادي، وفي المستوى الخلوي الميكروي الدقيق، أو المستوى النسيجي والعضوي والجهاز الجسماني المتكامل.
وتتجلى جوانب الدقة والابداع الهندسي في قوله تعالى: " لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ " [التين: 4]. في أساس ومراحل الخلق والتكوين الفسيولوجي، وفي بناء الجسد العام وحركاته المتناسقة، وفي الاتزان والتحكم والسيطرة الوظيفية، وفي عمل الخلايا والأعضاء والأجهزة الحيوية وميكانيكا الموائع الحيوية والأجزاء الصلبة والعظام وديناميكا الحركة والسكون، وفي الديناميكا الحرارية للدم، وفي آليات السمع والبصر، وفي الإحساس والذوق واللمس والتوازن العصبي، وفي التفكير والإبداع، وفي ميكانيكية عمل الدماغ والقلب ومتعلقاتهما العصبية ومصادر الطاقة لهما خصوصاً وللجسم عموماً.
وكما تتجلى السمات العامة لهندسة الجسم البشري بالتكامل الذاتي للجسم من حيث تناسق الشكل والمضمون، وبالأدوار الوظيفية جسمانياً، وفي العلاقة مع المحيط الخارجي، وبالدور التبادلي الإحلالي للأعضاء حين حدوث الإجهاد؛ التعطل أو الفقدان، وبتعدد الوظائف الفرعية لكل عضو من الأعضاء الرئيسية سوى وظيفة العضو الرئيسية، وبالتناسق التكويني المرتبط بالتكامل الأدائي للأعضاء، ومن وجود مدى رقمي يمتاز بمرونة نسبية ويحدد مجالات استطاعة وقدرة أجزاء الجسد وعناصره على الأداء الوظيفي في حالات الإجهاد والمرض وتقدم العمر. إضافة إلى وجود دوائر سيطرة وتحكم دقيقة ترتبط بالتنفس، والاتزان والحركة، والتوازن الحراري، وجريان الدم والموائع الحيوية، والجوع والعطش ووظائف الأعضاء والإحساس والسمع والبصر، وسنذكر نموذجين من نماذج هذا الإبداع في السمع والبصر؛ فالإبداع الهندسي في خلق الأذن البشرية وفي حاسة السمع التي تعتبر من القدرات المميزة التي أنعم الله تعالى بها على الإنسان لتمكنه من التعرف على العالم الخارجي المحيط به، وعلى القدرة على التواصل والتفاهم وتحقيق العبودية لله تعالى، والقيام بالتكاليف التي جعلها الله تعالى مناطة بالإنسان، حيث يقول الله تعالى: " قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۖ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ " [الملك: 23].
وتظهر حاسة السمع عند منتصف الشهر الخامس من الحمل، حيث يسمع الجنين صوت أمه ويشعر بدقات قلبها. وفي حوالي الشهر السابع، تبدأ قدرته على سماع الأصوات الحادة وتمييزها، وكما يبدأ بتخزين الأصوات الأكثر تكرارًا وهو صوت أبيه، وحيث تباشر حاسة السمع وظيفتها منذ الولادة.
أما الإبداع الهندسي في خلق العين والإبصار، فالعين خلق مميز خارق في تكوينه وقدراته ودقته وضبطه ونظام حمايته الفسيولوجية والهيدروستاتيكية والكهربائية والحرارية والكيمائية، ومكوناته الحيوية غاية في الدقة والروعة والجمال التكويني والوظيفي، ويحكمه نظام هندسي متكامل قوامه قوانين البصريات والفيزياء، والطول الموجي والكهرباء والمغناطيسية، وميكانيكا الموائع، وانتقال الحرارة الحيوية وتركيز الملوحة وانتقال المادة، حيث تحاط العين بطبقة دهنية سميكة تحميها حرارياً، وماء العين مالح يحميها كيميائياً، فضلاً عن الجفون وحركتها والرموش والحواجب وتجويف العين الذي يشكل حجرة آمنة للعين الضعيفة القوام نسيجياً. والعين ترى وفقاً للطول الموجي للطيف المرئي من طيف الموجات الكهرومغناطيسية، الذي يشكل جزءاً صغيراً متوسطاً من طيف الموجات الكهرومغناطيسية.
وهكذا يتجلى الإبداع الهندسي في خلق الإنسان في مجالاته العديدة والمتنوعة واللامتناهية من الدقة والحكمة وجمال الخلق وروعته الدالة على عظمة الخالق سبحانه وتعالى، ليبقى الإنسان على الدوام يتفكر في آفاق الخلق وتدبير الخالق ويردد دائماً بسعادة وطمأنينة قول الله تعالى: " فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ".