بسم الله الرحمن الرحيم
ملخص الدكتور فتحي حسن ملكاوي
للحلقة النقاشية لليوم العلمي
"السنن الإلهية في بناء الأمم والحضارات"
قيم البناء وقيام الأمم
موقع القيم العليا (التوحيد، والتزكية، والعمران) في بناء الأمم.
عندما نتحدث عن الأمة الإسلامية فإنَّ علينا أن نستدعيَ عدداً من المقوِّمات التي لا تقوم أمة دونها، ومنها:
-
وحدة الأمة في وجودها ومقوماتها ومرجعيتها، والأمة الإسلامية تقوم وتتَقَوَّم بعقيدة التوحيد وتمثلاتها في فكر الإمة وحياتها.
-
الخصائص المميزة للأمةـ وتتمثَّل في حالة الفرد المسلم والمجتمع المسلم، فنجد أن هذه الخصائص تقوم وتتقوم بالتزكية للنفس والمشاعر والعلاقات والممتلكات.
-
النظم والتشريعات التي تحكم حياة الأمة، وما تؤدي إليه هذه النظم والتشريعات من إنجازات البناء والعمران في المجالات المادية والمعنوية.
وبذلك تكون منظومة القيم العليا التي تعطي للأمة خصائصَها وحضورها وإنجازاتها هي التوحيد والتزكية والعمران. ومن ثـمّ فإنَّ واقع الأمة الإسلامية ومدى اتصافها بالصفة الإسلامية إنَّـما يقاس بحضور هذه القيم وتجلياتها. وأي قصور في هذا الحضور أو خلل في ظهور هذه التجليات يعني الحاجة إلى إعادة البناء.
وبناء الأمم ليس مرحلةً تـمُرُّ بها الأمة وتنتهي، فإذا كان البناء المادي يحتاج إلى صيانة بين الحين والآخر، أو ترميم جذري في بعض الأحيان، أو تنتهي صلاحيته تماماً، ليعاد بناؤه من جديد، فإنَّ البناء البشري لا يَسَعُه إلا التغير الدائم؛ إذ تستجد الظروف الداخلية والخارجية التي تحتاج إلى التكيف معها أو مواجهة متطلباتها. ولذلك فإنَّ قِيَمَ الإصلاح والتجديد والنهوض لا تأخذ موقعها المناسب في الثقافة الإسلامية والحضور الإسلامي في ساحة العالم دون أن تكون امتدادات متفرعة عن منظومة القيم العليا: التوحيد والتزكية والعمران، التي لا بد من استدعائها في واقع الأمة في كلِّ حين، فكيف تكون قيم الصلاح والإصلاح امتداداً لمنظومة القيم العليا؟
وإذا كان المسلمون يعتزون بقوة القيم التي يعتمدونها معايير معنوية لوجودهم وسعيهم، فإنَّ ذلك لا يغني شيئاً إذا لم تستند قوة القيم إلى قيمة القوة التي تعبر على السند الحقيقي لوجودهم وحضورهم. فلا بد من التوازن بين الأمرين. ولا يعد ذلك تقليلاً من شأن الإيمان بالقيم، وإنما هو تأكيد لضرورة العمل بمقتضيات الإيمان. إن قيمة العمل تتمثل في نتائجه، وهذه النتائج هي المعول على رؤيته وتقويمه والمسؤولية عنه. فما هي ميادين السعى والعمل التي تسهم في بناء الأمم ونهوضها وتقدمها؟
وعندما تكون الأمة في حالة من الضعف والتخلف والتجزئة، وتحتاج إلى إعادة البناء للخروج من هذه الحالة فنحن بصددر نوعين من القيم لا يغني أحدهما عن الآخر؛ القيم الخاصة بشخصية الإنسان الفرد في هذه الأمة، والقيم اللازمة للانتقال بحالة الأمة إلى كيان تتماسك عناصره، وتأتلف مكوناته لينظر إليه العالم فيجده رقماً صعباً لا يقطع صناع القرار في العالم برأي دونه، فهي أمة واحدة لها حضورها السياسي والاقتصادي والإعلامي والعلمي. فكيف يمكن لمنظومة القيم العليا أن تمتد لبناء قيم القيادة والإدارة التي تنجح في بناء الهدف المشترك، وتبث روح العمل المشترك، وتقيم علاقات التماسك والتكامل في البناء الاجتماعي؟