الصورة
نماذج ناجحة للوقف والتنمية المستدامة المغرب نموذجا

 

عداد: دة. مجيدة الزياني أستاذة القانون

جامعة القرويين- المغرب

باسم الله الرحمن الرحيم

ساهم الوقف منذ نشأته الأولى في تحقيق الأمن الاجتماعي والاقتصادي، فاعتُبِر بحق صمام أمان لمختلف شرائح المجتمع نتيجة قيامه بأدوار فعالة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة. 

والناظر إلى تاريخ الوقف بالمغرب يسجل الحضور القوي لهذا النظام في مختلف مناحي الحياة، إذ لم يقتصر على إنشاء ورعاية الأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي، بل اضطلع بالدور الرائد في دعم التعليم ورعاية الفقراء والمعوزين، والإسهام إلى جانب الدولة في بناء المرافق العمومية داخل الحواضر كالطرق والقناطر ومد البيوت والمساجد بالماء وإنارة الأزقة، بالإضافة إلى الخدمات الاجتماعية التي تنم عن سمو الحس الإنساني ورقي البعد الحضاري. كما اضطلع الوقف بالمغرب بدور هام في توفير السكن بالشكل الذي أصبحت معه البيوت الوقفية ملاذاً لمن لم يتمكن من شراء أو بناء مسكن خاص به. ولم يكن دور الأوقاف في تشجيع التجارة والصناعة والمهن بالعديد من الحواضر أقل حضوراً من دورها في توفير البيوت والمنازل المعدة للسكنى؛ فقد أضحت المحلات المخصصة لهذه الأغراض مرتبطة بشكل كبير بالأوقاف. واعتباراً لمركزية النشاط الفلاحي في الاقتصاد المغربي، فقد سجل الوقف حضوراً لافتاً في هذا المجال تؤكده كثرة الأراضي الفلاحية الوقفية وتعدد المستفيدين منها. 

إن هذه الإشراقات الوقفية التي طبعت تاريخ المغرب، ساهمت في نسج علاقة تكاملية بين مؤسسات الدولة والمجتمع، وجعلت الوقف بمثابة اللحمة الاجتماعية التي تخفف العبء عن الدولة في الحاجات الأكثر إلحاحاً. ولذلك فقد واصلت الأجيال المتلاحقة حمل رسالة الوقف والدفاع عنها، وواصلت إصلاح هذا النظام وتحديثه ضماناً لاستمراريته وحسن أداء أدواره. 

ومما لا شك فيه أن هذه الاستمرارية كانت نتيجة استثمار عناصر قوة النظام الوقفي بالمغرب، التي يمكن إجمالها فيما يلي:

  • استقلالية نظام الوقف المستمد من طابعه الإسلامي الخالص.

  • مرونة نظام الوقف المستمدة من الطابع الاجتهادي لأحكامه.

  • تنوع الرصيد الوقفي  والتوفر على  رأسمال عقاري هام من الأراضي الفلاحية والأملاك الحضرية.

وقد كان من نتائج ذلك، تطوير نظام الوقف بالشكل الذي يوفر ضمانات أكثر للتنمية الوقفية. وتتمثل هذه الضمانات فيما يلي:

  • تطوير النظام القانوني للوقف بإصدار مدونة قانونية حديثة تزاوج بين الحفاظ على خصوصية الوقف، وتتيح إمكانيات تزويده بأحدث وسائل التدبير ؛[1] 

  • توفير آليات الانفتاح على صيغ استثمارية حديثة؛

  • تطوير نظام الرقابة المالية الداخلية والخارجية، بما يسهم في تعزيز الحوكمة الجيدة ؛

  • اعتماد التدبير الاستراتيجي للأموال الوقفية بما يسهم في انخراط الوقف في التنمية الشاملة.

وتروم هذه المداخلة تقديم التجربة المغربية في مجال تأهيل الوقف للإسهام في  التنمية المستدامة من خلال التطرق للعناصر التالية:

  • ضوابط  الاستثمار الوقفي بالمغرب؛

  • مجالات التنمية الوقفية وطرق تدبيرها؛

  • آفاق التنمية الوقفية. 

 


 

[1] جاء في إحدى فقرات ديباجة مدونة الأوقاف التي دخلت حيز التنفيذ سنة 2014 ما يلي:

ديباجتها على ما يلي: "وتأكيدا من جلالتنا على استقلالية الوقف المستمدة من طابعه الإسلامي الخالص، فقد أثرنا من خلال هذه المدونة المحافظة على خصوصيته، وتزويده بوسائل قانونية حديثة تضمن له الحماية الناجعة، وبنظم تدبيرية تيسر حسن استغلاله والاستفادة منه، وبطرق استثمارية تمكنه من المساهمة في مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتعيد له دوره الريادي الذي نهض به عبر تاريخ بلادنا المجيد"