الصورة
عقود المعاملات في المصارف الإسلامية

حفظ المال مقصد شرعي ضروري، وهو من أعظم القربات إلى الله، فالعامل فيه على وفق مراد الله عامل على الإصلاح العام لجميع الخلق، ويكون حفظه من جانبين: جانب الوجود وذلك بتنميته واستثماره بكل وسيلة مباحة، ومن جانب العدم، بمنع إتلافه أو الإسراف فيه، أو إضاعته، أو بتعطيله عن وظيفته، فيجب المحافظة على المال لأنه من ضرورات الحياة التي لا بد منها لتحصيل مصالح الدنيا والآخرة، ولذلك اهتم الشرع بوضع القواعد والضوابط لحفظه بوسائل إيجابية وأخرى سلبية، وقد توخت الشريعة في وسائلها تلك تحقيق المقاصد الآتية:

المقصد الأول: أن يكون المال متداولاً بين أيدي الناس جميعاً ومتحركاً، استهلاكاً واستثماراً، ومنع أن يكون تداوله بين أيدي فئة قليلة من أناس، بحيث يعظم الغنى، ويكثر الفقر بين الناس.

فالمال الذي يُتداول بين الناس يُنظر إليه على وجه الجملة، وعلى وجه التفصيل، أما على وجه الجملة، فهو حق عام للأمة، عائداً عليها بالغنى عن الغير، فمن شأن الشارع أن ينظم إدارته بأسلوب يحفظه موزعاً بين أفرد الأمة بقدر المستطاع، بقطع النظر  عن المنتفع به مباشرة، أفراداً خاصة أو طوائف أو جماعات صغرى أو كبرى، وينظر إليها على وجه التفصيل باعتبار كل جزء منه حقاً راجعاً لمكتسبه ومعالجه، فرداً أو جماعة، معينة أو غير معينة أو حقاً لمن ينتقل عن مكتسبه، ولذلك منع الإسلام كنز المال، لأن كنزه سحب له من مجال التداول، وتعطيل له عن وظيفته، وفي الكنز كفٌ للإنفاق في سبيل الله، ومن شأن ذلك أن يفسد التوازن المالي والتجاري والاقتصادي عامة، ويفسد معه التوازن الاجتماعي، لذلك حرم الله كنز المال، كما حرّم اتخاذ آنية من الذهب والفضة، ومنع تحلي الرجال بالذهب، وإسراف النساء في التحلي فيهما، ومنع الاتجار بالنقود، وأجاز الصرف، كما حرّم التعامل بالربا لأنه يجعل النقود متجراً، ولأنه إذا جرى العرف باستثمار المال بهذا الوجه فإنه يضعف التوجه إلى الزراعة والصناعة، وهي أصول المكاسب، كما يقود إلى جعل المال دولة بين فئة قليلة من الناس، فضلاً عن كونه أكلاً لمال الناس بالباطل، ومنع الشرع الاحتكار لأنه يلحق الضرر بالناس في حاجياتهم الأساسية، فالعدل الشامل في الشريعة المعصومة يستلزم العدل الاقتصادي، وهذا يقتضي بدوره تحريم ما ذكرنا، وسائر طرق الكسب غير المشروع مراعاةً للصالح العام.

المقصد الثاني: الوضوح، ويراد به أن تكون الأموال وعقودها وشروطها بعيدة عن الجهالة المؤدية إلى النزاع والمخاصمات، حتى لا تكون سبباً لأكل أموال الناس بالباطل، كما شرع لحفظ الحقوق وسائل لتوثيقها كالإشهاد والكتابة والرهن، ومن الوسائل المعاصرة: خطاب الضمان، والاعتمادات المستندية والكفالات المصرفية.

المقصد الثالث: العدل في الأموال، والمقصود من ذلك أن يؤدي الإنسان ما يتعلق بماله من حقوق والتزامات تجاه نفسه وعياله وأقاربه، وتجاه المجتمع، كالدين والزكاة والضرائب العادلة.

 

كيف يعالج الفقه الإسلامي أحكام المعاملات؟

الفقه الإسلامي ثمرة تلاقح النقل والعقل، أي تلاقح الوحي المنزل المتمثل في القرآن والسّنّة، بالعقل البشري والفكر الإسلامي الإنساني، بمفهومه الشامل، سعياً لتحقيق مقاصد الشريعة، والالتزام بأحكامها واتباع توجيهاته، فكراً وسلوكاً ونظماً ومؤسسات، في إطار الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتغيرة.

يوضح ذلك أن الأحكام الشرعية نوعان: ثابت ومتغير، فالثابت أحكام العقيدة، وأحكام العبادات، وكذلك ما دلت عليه قواطع الأدلة من الفروع الفقهية، وأما المتغير فما كان استنباطاً من النصوص الظنية، أو الأدلة الأخرى كالاستحسان والمصلحة والعرف أو القياس وفي هذا من المرونة والسعة التي لا حدود لها في قدرة الشريعة على مواجهة مستجدات الحياة.

 

في بيان معنى المعاملات والمعاملات المالية:

  • معنى المعاملات:

لغةً: جمع معاملة، وهي مفاعلة من العمل، بمعنى الحرفة، أو الصنعة أو مطلق الفعل الذي هو موضوع التعامل كالبيع والهبة.

واصطلاحاً: تطلق المعاملات في الفقه الإسلامي على معنى عام ومعنى خاص:

أما معناها العام فهي: الأحكام المتعلقة بتصرفات الناس في شؤونهم الدنيوية، كأحكام البيع والرهن والتجارة، والمزارعة والمصانعة، والإجارة والشركة والمضاربة، والنكاح والرضاع والطلاق، والهبات والهدايا، والحرب والصلح، وغير ذلك مما يحتاج البشر.

أما المعاملات بالمعنى الخاص فتطلق على المعاملات المالية ومعناها: تبادل الأموال والمنافع بين الناس بواسطة العقود والتصرفات، مما يحتاج إليه الناس في معاشهم وحفظ دينهم وأبدانهم وأموالهم وأعراضهم، فالمعاملات تتعلق ببقاء الإنسان وحياته العملية.

 

  • أهمية المعاملات وضرورتها:

لما كان الاجتماع البشري ضرورياً، وكان الإنسان مفتقراً إلى بني جنسه في إشباع حاجاته وتحقيق مصالحه، كانت المعاملات ضرورة من ضرورات هذا الاجتماع بين أفراده وجماعاته، ولا يمكن لهذه المعاملات تحقيق المقصود منها أو وظيفتها في خدمة المجتمع إلا إذا سارت على وجه واضح مستقر، ومتفق عليه من قبل المجتمع، وأن يكون معلوماً سلفاً لأطراف المعاملة، منعاً لوقوع النزاع بين الناس، وشقاق بعيد في شؤون الحياة الضرورية، لذلك جاءت الشرائع الإلهية لتنظيم هذه المعاملات بين الناس والفصل بينهم في الخصومات عند التنازع، وإلزام الجميع بها طوعاً أو كرهاً، وتقرير عقوبة على من خالفها.