الصورة
دور المؤسسات التربوية والتعليمية في تعزيز دور الأسرة لتحقيق الأمن المجتمعي

دور المؤسسات التربوية والتعليمية في تعزيز دور الأسرة لتحقيق الأمن المجتمعي

 د. منذر زيتون

 

     لعل نعمة الأمن لا يماثلها نعمة في الحياة على مستوى الفرد وعلى مستوى المجتمع، لأن الأمن يعني الأمان والاطمئنان، وفي ظلاله يستطيع الناس أن يعيشوا بسوية واستقرار، وأن يتمكنوا من أن يعملوا وينجزوا ويحققوا طموحاتهم، ولو أنهم فقدوا الأمن لعاشوا في اضطراب وخوف، وانشغلوا عن العمل والإنجاز بالترقب والتحسب، ولننظر إلى قول الله تعالى عن أهل قريش: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ (3)الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ (4) [سورة قريش]، فلقد طالبهم رب العزة عز وجل أن يعبدوه، لكن بعد أن حقق لهم الأمن بشقيه النفسي والمادي، فقد أنعم عليهم بالطعام فجنبهم الجوع، والأمان فجنبهم الخوف، من أجل أن يتمكنوا من أداء العبادة لله تعالى، ولو افتقروا إلى ذلك لصعب عليهم القيام بما أمرهم الله به.

     إن على الأسرة واجب كبير في تحقيق الأمن المجتمعي، على اعتبار أن الأسرة هي المكون الأساسي للمجتمع، وينعكس حالها وحال أفرادها على حال المجتمع كله بالضرورة، فإن كانت الأسرة قوية متماسكة كان المجتمع كله كذلك، وإن كانت ضعيفة متفككة اهتز بها المجتمع وضعف، على أن الأسرة لن تستطيع الإسهام في تحقيق الأمن للمجتمع ما لم تتمكن من تحقيقه لأفرادها في نطاقها الصغير. وهذا ليس شأن الأسرة فحسب، بل هو شأن كل المؤسسات الأخرى، فكلها عليها واجب الإسهام في تحقيق الأمن المجتمعي، وكلها أيضاً مطالبة حتى تستطيع القيام بذلك أن تحقق الأمن في محيطها ونطاقها على مستوى أفرادها العاملين، وكذلك على مستوى الأفراد المتعاملين معها، فإن نجحت في تحقيق أمن هؤلاء فإنها ستكون قادرة بلا شك على تحقيقه في المجتمع الأوسع، وهذا ما يستدعي تعاون الجميع، الأفراد، والجماعات، والجمعيات، والمؤسسات في أن تقوم بالدور المطلوب لتحقيق أمنها وأمن مجتمعها، وأن تكون جميعها داعمة للأسرة حتى تكون هي أيضاً عامل بناء للأمن المجتمعي.

 دور المؤسسات التربوية والتعليمية:

      للمؤسسات التربوية والتعليمة دور كبير في صناعة الأمن المجتمعي، لأنها هي التي تتولى تربية النشء من نعومة أظفاره، وتعمل على إعداده للحياة، وتزوده بالقيم والمبادئ اللازمة من أجل أن يحيا حياة كريمة آمنة مطمئنة، يستطيع فيها أن يقوم بدوره وواجبه تجاه نفسه وتجاه أسرته وأمته. وعندما نتحدث عن هذه المؤسسات، فنحن نتحدث عنها جميعاً بكل مستوياتها وفئاتها ومواقعها، نتحدث عن المدارس، ورياض الأطفال، والحضانات، والجامعات، والمراكز التعليمية، والهيئات التربوية، وكل مؤسسة تقوم بمهمة التربية والتعليم بشكل خاص، لأن تلك المؤسسات جميعاً تقوم بأدوار متكاملة، يتدرج فيها الإنسان شيئاً فشيئاً، ويتلقى فيها ما يلزمه من القيم والمبادئ والعلم بحسب سنه وإدراكه، حتى إذا ما تخرج منها كان على قدر المسؤولية المأمولة، ومعلوم أن الإنسان يحتاج إلى التعلم والإرشاد في كل سني حياته، ولذلك كانت العملية التربوية والتعليمية عملية مستمرة دائمة، وكان تأثيرها مستمراً على الدوام.

 

 

الأمن المجتمعي:

     وعندما نتحدث عن الأمن المجتمعي، فإننا نتحدث عن أمن كل مكونات المجتمع، أفرادا وجماعات ومؤسسات، وحتى الحيوانات والجمادات، وإن توافر الأمن لكل هؤلاء هو ما يمكن أن يشير إلى تحقق الأمن المجتمعي وهو الذي لا يعني الأمن الذاتي لكل مكون من مكوناته من الأفراد والهيئات، وإنما يعني أمن الجميع، فليس المطلوب من الفرد أو الجماعة أو المؤسسة أن تحقق أمنها الذاتي فقط، وإنما يجب عليها أن تحرص على أمن غيرها أيضاً، لأن على الجميع مسؤولية مجتمعية تجاه الآخرين، فالفرد عليه أن يسعى لتحقيق أمن الجماعة، والجماعة عليها أن تسعى إلى تحقيق أمن الفرد، وذلك لسببين، هما:

  1. أن كل عضو في المجتمع يرتبط بالضرورة مع العضو الآخر من أعضاء المجتمع ويتداخل معه، فالفرد ليس منعزلاً عن غيره وإنما هو أيضاً جزء من الجماعة، والجماعة ليست منعزلة عن الأفراد بل هي مكونة منهم، فهي هم، وهم هي، وكلهم يشكلون المؤسسات المجتمعية إما من خلال تسيير أمورها وإما بالاستفادة من خدماتها، بصرف النظر عن شكلها، حكومية كانت أم خاصة، صغيرة كانت أم كبيرة، سياسية أم اجتماعية أم اقتصادية أم رياضية أم نحو ذلك.

  2. أن الأمن لا يستتب ولا يكتمل إلا بأمن الجميع، فلا يمكن أن يبقى أحد آمناً في ظل توتر غيره أو اضطرابه، لأنه سيؤثر عليه بالضرورة، فلا أحد يعيش منعزلاً عن العالم، بل هو جزء منه، يتفاعل معه ويؤثر فيه ويتأثر به، وفي الحديث الشريف: "المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كالْبُنْيانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ بيْنَ أَصابِعِهِ" [البخاري ومسلم]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكى منه عُضْوٌ تَداعى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمّى" [البخاري ومسلم].

      لن يحقق أحد الأمن للمجتمع إلا إذا حققه لنفسه: وهذه حقيقة لا يمارى فيها، ففاقد الشيء لا يعطيه، فهذه المؤسسات وغيرها لن تستطيع تحقيق الأمن في المجتمع، إلا إذا استطاعت أن تحققه فيها، وإن عجزت عن ذلك فلن تستطيع بالأحرى أن تسهم في تحقيقه في المجتمع الكبير.

 واجب المؤسسات التربوية والتعليمة في تعزيز دور الأسرة لتحقيق الأمن المجتمعي:

     لهذه المؤسسات الدور الأكبر في تحقيق الأمن، وفي تعزيز دور الأسرة من أجل القيام بذلك. وحتى تكون قادرة على القيام بذلك فإن المطلوب منها ما يلي:

أولاً: أن تكون مؤهلة لتحقيق الأمن في ذاتها أولاً: في أدبياتها: الرؤية والرسالة والأهداف بحيث تكون داعمة ومتشابكة مع فكرة تحقيق الأمن الداخلي والأمن المجتمعي وما يؤدي إلى ذلك.

(1) المنهج التربوي التعليمي للمؤسسة: لا بد أن يكون واضحاً متوازناً شاملاً لكل الجوانب التي تحتاجها الحياة، مستمداً من الشريعة السامية، يقوم على الأخلاق الكريمة، ويعمل على تنمية الذات، وبناء الشخصية، بتوازن وإحكام، ويقوم على ضمان الاحترام والتقدير لكل طالب، بصرف النظر عن المستوى العلمي أو التفاعلي للطلبة.

(2) أن يكون نظام العمل والعاملين فيها: واضحاً، مرناً، حازماً جاداً، يقدر اجتهاد العاملين، ويكافئ المحسن، ويشجع على الابتكار والتميز، ويحقق الكفاية للعاملين، ويعمل على تطوير قدراتهم، وأدائهم.

ثانياً: إدارة الشؤون الداخلية بما يعمل على تحقيق الأمن لكل الأفراد داخلها: لأن المؤسسة تتضمن مجتمعاً مصغراً داخلها، فإن نجحت في تحقيق الأمن له، تستطيع بعد ذلك أن تحققه في الخارج تجاه المجتمع الكبير. وهذا يتطلب من المؤسسة القيام بكل ما تتطلبه العملية التربوية والتعليمية بمهنية عالية جميع العاملين والطلبة.

ثالثاً: إدامة التواصل والترابط مع أسر الطلبة.

رابعاً: تفاعل هذه المؤسسات مع غيرها من مؤسسات المجتمع، وفي المقام الأول المؤسسات ذات التخصص المشابه.

خامساً: تفاعل تلك المؤسسات التربوية والتعليمية مع المجتمع المحلي لها من الأفراد والجيران والهيئات.