الخلاصة المطولة
الطاقة في العالم الإسلامي
أ.د. محمد زكي خضر
رئيس المعهد العالمي لحوسبة القرآن والعلوم الإسلامية
مقدمة
كان مفهوم الأمة واصحًا وحاضرًا في أذهان المسلمين عبر القرون السالفة حتى حينما كان المسلمون يخضعون لممالك وإمارات مختلفة. لكن هذا المفهوم ضعف كثيرًا واختل المفهوم لدى الكثير من المسلمين متناسين قوله تعالى " وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون"( سورة الأنبياء الآية 92). لهذا بات من الضروري استمرار التذكير بمفهوم الأمة مباشرة او حتى من خلال المصالح المشتركة كالتعاون الذي أمر الله به في قوله تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى " (سورة الحجرات الآية 10) ) والتعاون بين الجيران إستنادًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به" (رواه الطبراني والحاكم). يأتي هذا البحث لتقديم صورة لواقع وضع الطاقة في العالم الإسلامي من خلال إحصائيات ومعلومات عن واقعها في دول منظمة التعاون الإسلامي وضرورة التعاون بينها في هذا الحقل الهام.
تتكون منظمة التعاون الإسلامي من 57 دولة بينها دول واسعة المساحة وعالية في عدد سكانها وغنية في مواردها وبين دول صغيرة وفقيرة في مواردها . بين الدول الإسلامية دول منتجة للنفط تمتعت نتيجة ذلك برفاهية إقتصادية ودول أخرى فقيرة. يبلغ عدد سكان الدول الإسلامية المنظوية تحت منظمة التعاون الإسلامي نحو 1900 مليون نسمة لكن هناك دول أخرى تحوي بين سكانها عددا لا يستهان به من المسلمين كالهند وبعض الدول الأوربية.
من استعراض عدد سكان الدول الإسلامية المنتمية إلى منظمة التعاون الإسلامي يتبين أن نسبة مجموع سكانها يبلغ 24.6% من سكان العالم وأن النمو السكاني فيها يزداد أكثر من النسبة العالمية.
الطاقة الكهربائية
يمكن اعتبار استهلاك الطاقة الكهربائية مؤشرا للرفاهية ولأمور أخرى غيرها في أي بلد. فإن النقص في توفر الطاقة الكهربائية ينعكس على الصناعة والزراعة والتجارة والتعليم والخدمات وغيرها. ويتبين من جدول مستوى توفر الكهرباء للأفراد في مختلف بلاد العالم الإسلامي أن هناك العديد من البلدان التي يتوفر فيها الكهرباء لنسب قليلة من سكانها وخاصة الدول الأفريقية. ففي بيكينوفاسو لا يتوفر الكهرباء سوى لحوالي 18% من السكان . وعلى العموم فإن نسبة توفر الكهرباء في العالم الإسلامي تبلغ 81% بالمقارنة مع المعدل العالمي الذي يبلغ 90% . وليس ذلك فحسب بل إن التفاوت بين الريف والمدن هو كبيرأيضا. ففي سيراليون لا يتجاوز توفر الكهرباء في الريف 6% من سكان الريف وفي الصومال 11% والسودان 37%, ويبلغ متوسط توفر الطاقة الكهربائية لأرياف العالم الإسلامي 68% في الأرياف بالمقارنة مع المعدل العالمي البالغ 81% . ورغم أن أن نسبة السكان الذين تتوفر لهم الكهرباء في العالم الإسلامي بازدياد لكنها مستمرة في انخفاضها عن المستوى العالمي. كذلك فأن تطور إنتاج الكهرباء بازدياد لكن المقارنة مع المستوى العالمي الذي هو بازدياد أيضا بحيث تبقى نسبة الإنتاج في العالم الإسلامي بالمقارنة مع المستوى العالمي متدنية.
تبين المعلومات المتوفرة للسنوات الأخيرة عن معدلات إستهلاك الطاقة الكهربائية (كبلو واط – ساعة بالسنة ) للفرد لمختلف الدول الإسلامية التباين الكبير بين معدله في بعض بلدان الخليج مثل قطر 194222 كيلوواط ساعة بالسنة بالمقارنة مع الصومال البالغ 217 أي بما يقرب من 900 ضعف ، هذا بالمقارنة مع المتوسط العالمي الذي يبلغ 21093 ويبلغ في العالم الإسلامي 9322 أي بما يقرب من 44% من المتوسط العالمي. وفي ذلك إشارة إلى قلة استخدام الطاقة الكهربائية بالمتوسط في العالم الإسلامي رغم الإرتفاع الكبير في دول الخليج.
الطاقة المتجددة
تتوفر الطاقة المتجددة بشكل مولدات تعمل بالطاقة المائية أو طاقة الرياح أو ألواح الطاقة الشمسية. وتتوفر الطاقة المائية بكمية كبيرة في بعض الدول مثل تركيا ومصر وإيران والمغرب وباكستان وطجكستان وازبكستان والسودان ونيجيريا وقرغيزستان. ولا تزيد قدرة مولدات الطاقة المتجددة في دول العالم الإسلامي عن 5.2% من الطاقة العالمية .
إنتاج النفط
تبين الجداول أن دول منظمة التعاون الإسلامي تنتج يوميا 42.5% من إنتاج النفط في العالم وتحوي كميات من النفظ بحدود 65.2% من إحتياطي النفط العالمي. وهو ما يمثل تفوق الدول الإسلامية في توفر النفط حاليا ومستقبلا.
إنتاج الغاز
تبين جداول الإنتاج السنوي من الغاز أن مجموع إستخراج الغاز في دول منظمة التعاون الإسلامي 31.6% من إنتاج العالم بينما يبلغ الرصيد المتوقع 58% من رصيد العالم . ويتضح أن إيران وقطر والمملكة العربية السعودية من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للغاز في العالم.
إنتاج اليورانيوم
تبين جداول إنتاج واحتياطي اليورانيوم أن بعض الدول الإسلامية مثل كزخستان تنتج 41.6% من الإنتاج العالمي ويقدر الإحتياطي فيها بما يقرب من 11.5% من الإحتياطي العالمي. ويقدر الإحتياطي في الإردن بما يقرب من 2% من الإحتياطي العالمي.
نبذة عن الطاقة الكهربائية في الأردن
توضح البيانات الحكومية أن قدرة توليد الكهرباء في الأردن وصلت نهاية عام 2022 إلى 6.85 غيغاواط، يأتي معظمها من خلال استعمال الغاز في توليد الكهرباء. انقسمت إلى سعة توليد تقليدية بنحو 4.217 غيغاواط، وبنحو 2.633 غيغاواط بوساطة الطاقة المتجددة، ويستهدف قطاع الطاقة في الأردن خفض حصة الغاز الطبيعي بتوليد الكهرباء إلى 53% بحلول عام 2030.وتبلغ الآن نسبة إنتاج الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء أكثر من 27% .
أحكام الركاز
اسْمُ الرِّكَازِ يَتَنَاوَلُ الْكَنْزَ وَالْمَعْدِنَ جَمِيعًا؛ وَلَمَّا «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الرِّكَازُ قَالَ: الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ اللَّذَيْنِ خَلَقَهُمَا اللَّهُ فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خَلَقَهَا». وَلَمَّا «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا يُوجَدُ فِي الْخَرِبِ الْعَادِي قَالَ: فِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» فَعَطَفَ الرِّكَازَ عَلَى الْمَدْفُونِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرِّكَازِ الْمَعْدِنُ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذَا مَالٌ نَفِيسٌ مُسْتَخْرَجٌ مِنْ الْأَرْضِ فَيَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ كَالْكَنْزِ، وقد ورد في صحيح البخاري لفظ (وفي الركاز الخمس)
وحيث أن النفط والغاز تستخرجان الآن من قبل الحكومات التي ترعى شئون الدول (نيابة عن مجمل سكان البلد) فقياسا على ما سبق فإن عليها الخمس لغير بلدها . وهذا مجال لإجتهاد العلماء في الدعوة إلى مساعدة الدول الإسلامية الفقيرة من قبل الدول الغنية بما يعادل خمس الإنتاج من الدول الغنية بالطاقة والله أعلم. وهذا يحتاج إلى المزيد من البحث والدراسة من قبل المتخصصين في الفقه.
الإستنتاجات والمناقشة
يتوفر في العالم الإسلامي مقدار من الطاقة يفوق المتوسط العالمي. إلا أن الإستغلال الفعلي هو أقل من المستوى العالمي. وهذا يضع على المتخصصين والمخططين والقادة مسؤولية خدمة بلدانهم بشكل دؤوب. وتمثل الطاقة المتجددة موردا إقتصاديا وخادما للبيئة بشكل واضح. كما أن التباين في استهلاك الطاقة وتوفرها يضع على الدول الغنية بمصادر الطاقة واجب المساعدة الكبيرة في تقديم العون إلى الدول الفقيرة بالطاقة.
