الأمن المجتمعي في الأسرة، أساليب ووسائل
إن شعور الأبناء بالأمان في هذه الأسرة يضمن لهم تنشئة صحيحة تؤتي أكلها في واقعهم وحياتهم، وهو ما جعل الشرع من أجله عقيدةً وأحكاماً وأخلاقاً، وهو ما أسهبت هذه الشريعة من أجله في بيان معالم التربية العامة وتفاصيلها، وشرعت من أجله أنظمة في المعاملات والنكاح والعقوبات والقضاء والشهادات وغير ذلك.
وأسوق في هذه الورقات بياناً لأهم الأساليب والوسائل التربوية المتعلقة بالأسرة، والتي اعتنى بها الشرع وأشار إليها لتحقيق الأمن المجتمعي المرجو لأبنائنا وبناتنا، والذي نعول عليهم في بناء الأمة وضمان سيرها الصحيح في هذه الحياة. ويأتي بيان ذلك في ثلاثة مطالب وخاتمة.
المطلب الأول: أساليب ووسائل ما قبل الزواج، والذي يتضمن المحاور الثلاثة:
-
أولاً: ضرورة التربية العامة للأفراد، عن طريق هيمنة شعائر الإسلام وتحكيم الشريعة في القانون والقضاء والإعلام والمناهج، وعن طريق الدعوة إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المساجد والأسواق والبيوت وغير ذلك.
-
ثانياً: ترغيب الشرع في الزواج وأثره على المنظومة الأمنية من مبتدئا.
-
ثالثاً: معالم الزوجين الذين ارتضاهما الشرع لتكوين أسرة طيبة فيها الأمن والأمان.
المطلب الثاني: أساليب ووسائل ما بعد الزواج والولادة، والذي يتضمن الستة محاور الآتية:
-
أولاً: حقوق الطفل في ديننا كالتهنئة بالمولود، والأذان في أذنه، وتحنيكه، والعقيقة عنه ورضاعته، وحلق شعره والتصدق به، وحسن تسميته تسمية طيبة مؤثرة في نفسه وشخصه.
-
ثانياً: أهمية جانب العبادة ولا سيما الصلاة والسعي إلى المساجد واحترام الوالدين.
-
ثالثاً: التربية العقلية من أجل تحصين الأبناء من صغرهم مما يفسد عقولهم، ويدخل إليها الشك والوهم والخرافة، والتي هي أعظم أسباب الشقاء في حياة الأبناء.
-
رابعاً: التربية على الأخلاق وهو مما أجمعت عليه الدنيا، فكيف إذا كانت هذه الأخلاق هي من دين الله، ومما جاءت بوحي منه تعالى، ومما ارتبطت بمنظومة الثواب والعقاب في الآخرة.
-
خامساً: الأسرة في الإسلام تحوي عبادات متعددة جعلها الشرع سبباً لتقرب العبد إلى خالقه، وتكون سبباً لفوزه بالجنات، كإطعام الرجل امرأته، ووطئها، وكطاعة الزوجة لزوجها وحفظها لنفسها من الحرام وقيامها على تربية عيالها، وكذلك سعي الزوج على رزق عياله وتربيتهم.
-
سادساً: استعمال الأساليب التربوية الصحيحة في غرس القيم والمعاني السامية في نفوس الأبناء، ومراعاة فقه هذه الأساليب، وتنويع ومراعاة الخصائص النمائية لكل مرحلة عمرية في ذلك.
المطلب الثالث: أساليب ووسائل علاج الخصومات بين الزوجين أو بين الأولاد، وكما في المسائل الخمسة الآتية:
-
أولاً: مراعاة جملة من الأحكام الشرعية ولا سيما المتعلقة منها بأحكام فقه القوامة، وفقه الحضانة، وفقه النفقة، والنظر فيما فصّلت فيه الشريعة من الحقوق والواجبات اللازمة للزوجين وعليهما، ومراعاة أحكام الخصومة فيما بينهما إن حصلت، والتي قد يكون النشوز فيها من الزوج أو من الزوجة أو من كليهما.
-
ثانياً: الالتزام بأحكام الشرع في ما لو وصل الحال بين الزوجين إلى الطلاق، فقد نهى الشرع عن طلاق المرأة في عذرها الشرعي، وجعل طلاق السنة أن يطلقها في طهر لم يمس الزوج زوجته فيه. كما ألزمها الشرع حال الطلاق الرجعي بلزوم بيتها وعدم الخروج منه.
-
ثالثاً: استقرار العلاقة بين أفراد الأسرة النواة سبب من أسباب الأمان، وهو ما لا يليق بالوالدين أن يهملوه، وهذا يظهر في تعاملهم مع أولادهم وتحقيق العدل فيما بينهم، بما تحمله هذه الكلمة من معاني، ويكمن في النضوج الاجتماعي في إدارة الخصومات المحتملة ين الإخوة وطريقة التدخل فيها.
-
رابعاً: إن الأمن الاقتصادي هو أكثر ما يدخل الخوف على قلوب الأبناء إذا ما وصلوا إلى سن فهم ما يجري حولهم.
-
خامساً: تعتبر زيادة النسل وتعدد الأولاد سبب من أسباب التحصين والأمن في الأسرة، فللأولاد احتياجاتهم المتعددة، ولا يحقق بعض هذه الاحتياجات ويلبيها إلا وجود إخوة وأخوات يعيشون المرحلة معاً، وإن كثرة الأبناء سبب لارتباط الزوجين معاً بشكل أوفر وأكبر، وثمة أن هناك مشاعر ومهارات يتعلمها الأبناء من حصول الخصومات فيما بينهم، وثمة أمن داخلي نفسي يكبر مع كثرة الإخوة، فضلاً عن كونه قوة للأمة تقوى معه الأسرة.
د. محمد الطرايرة