للعلم الحديث جاذبية واحترام. كذلك للعلم الحديث سطوة وسلطان. فإذا كان المفكر الغربي الحر يتردد طويلا قبل أن يجرؤ على مخالفة التيار السائد في "العلم الحديث" خوفا من أن يتمّ قتله علميّا، فكيف سيكون موقف العالم المسلم الذي لا يزال يجاهد من أجل ترسيخ قدمه في ساحات العلم الحديث في مواجهة الاتهامات التي تكال لدينه باسم العلم الحديث؟
بعض هؤلاء العلماء المسلمين الغيورين انبهروا بالعلم الحديث ونالت منهم سطوة العلم الحديث ثم صدموا مما رأوه من بعض من يتناول مسائل العلم الحديث باسم الدين وباسم الإعجاز العلمي، فتكونت عندهم آراء، فيها شيء من الحدة والجفاء، تدعو إلى الفصل التام بين الدين وبين العلم الحديث، تمت الدعوة إليها في وثائق ومؤتمرات. (أحد هذه المؤتمرات عقد في عمان وكان يركّز على مشاكل في طرف الإسلام تجعله غير متوافق مع طرف العلم، ونشر صحيفة مبادئ تدعو المسلمين إلى الاعتراف بصحة التطور البيولوجي للإنسان، وإلى الاعتراف بأن العلم حيادي لا يستطيع البرهنة لا على وجود الله تعالى ولا على عدم وجوده، وإلى التخلي عن اعتقاد أن النصوص الدينية يمكن أن تفيد حقائق علمية. بل لقد كان هناك تشكيك بإمكانية أن تكون معجزات الأنبياء خارقة لقوانين الطبيعة.)
على الرغم من احترام المحاضر لنوايا هؤلاء الحسنة إلا أنّ الحق لا ينال بردود الأفعال ولا بالانبهار. البحث عن الحق يتطلب حيادية وإنصافا.
المحاضرة التي أود أن ألقيها تعتبر تقديما مركّزا لموضوع كبير مهم هو
"الاغترار بالعلم الحديث"
سأحاول أن أبين في المحاضرة:
- أن العلم الحديث بتعريفه المتوافق عليه قاصر وله حدود، وأن كثيرا من نجاحات العلم الحديث ما هي إلا عطية إلهية ليس لها تفسير فلسفي مفهوم.
- أن النزعة العلمية Scientism التي تضفي هالة من القدسية على العلم بأن ترفض الاعتراف بأي شيء لا يقرره العلم ... هي نفسها غير علمية.
- أن ما يصفه العلم الحديث بأنه "حقيقة علمية ثابتة" ليس بالضرورة صحيحا بسبب قاعدة "الالتزام المثودولوجي بالتفسير الطبيعي" التي لا نرتضيها.
- أن موقف العلم الحديث من وجود الله تعالى بناء على المقدمات الفلسفية الصحيحة ليس حياديا.
- أنه ليس من الصحيح أن الدين الصحيح لا يقدم أي معلومات علمية؟
- أنه لا يجوز أن يفرض على المسلمين الاعتراف بالتطور البيولوجي للإنسان
- أن الشبهات المرفوعة ضد علميّة المذهب الأشعري بسبب أقواله في "السببية" وفي "القدر" سطحية ومردودة