أفعال العباد بين التسيير والتخيير
إعداد الدكتور: تيسير الفتياني - رحمه الله
مراتب الدين _ الإسلام، الإيمان، الإحسان
أركان الاسلام:
1- شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله
2- إقامة الصلاة
3- إيتاء الزكاة
4- صوم رمضان
5- حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا
أركان الايمان:
1- بالله 2- وملائكته 3- وكتبه 4- ورسله 5- واليوم الآخر 6- والقدر خيره وشره
أركان الإحسان:
أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
القدر من أكثر الموضوعات التي ثار حولها الجدل الطويل بين المذاهب الإسلامية ويكثر فيها الحديث بين الناس وخاصة المقصرين الذين يحاولون أن يسوغوا لتقصيرهم فيضعوا المسؤولية على القدر.
فهم السلف الصالح للقدر هو أن كل شيء مقدر من عند الله، فالله تعالى خالق كل شيء، وقادر على كل شيء، وعليم بكل شيء قبل أن يكون كيف يكون.
متى بدأ البحث في هذا الموضوع عند المسلمين ؟؟
بدأ على يد الفرق والمذاهب المتعددة وتحول إلى التسيير والتخييرفي أفعال العباد.
مفهوم القدر: هو ما يقدره الله عز وجل من القضاء ويحكم به من الأمور، ومعناه أن الله تبارك وتعالى قدر الأشياء من القدم، وعلم أنها ستقع في أوقات معلومة عنده سبحانه، وعلى صفات مخصوصة فهي تقع على حسب ماقدرها سبحانه.
القدر هو السنن التي سنها الله تعالى لهذا الكون، والنظام الذي سلكه به، والقوانين الطبيعية التي سيره عليها.
* القضايا التي يتناولها القدر:
1- علم الله الأزلي الذي حكم فيه إيجاد الأشياء التي أراد أن يوجدها حسب مواصفات حددها سبحانه، وكتب ذلك كله باللوح المحفوظ.
2- خلق الله هذه الأشياء المقدرة وإيجادها على النحو الذي سبق علمه وسبقت كتابته فيأتي الواقع مطابقاً للعلم السابق المكتوب.
القضاء: أي انقضاء الشيء وتمامه، ويأتي بمعنى العمل ومنه قوله تعالى ( فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ) أي اعمل ما أنت عامل.
الفرق بين القضاء والقدر :
القدر: يتناول جانب التصميم والأساس، وهو سابق على القضاء.
القضاء: يتناول جانب التنفيذ والبناء.
لا ينفك أحدهما عن الآخر لأن القدر بمنزلة الأساس والآخر بمنزلة البناء، مثل العمارة مهندس يضع المخططات والمساحة والعلو والسماكة والنسب والمواد والأبواب والنوافذ، وهذا مثال القدر
ومهندس أو مقاول ينفذ ما قدره المهندس وهذا مثال القضاء.
القدر: قديماً لأنه من صفات الذات.
القضاء: حادث لأنه من صفات الفعل المتعلق بمشيئة الله وإرادته.
القضاء والقدر لفظان متلازمان.
والقدر أعم والقضاء أخص.
حكم الخوض في القدر:
هناك نهي عن الخوض في القدر إذا كان الاحتجاج به على فعل المعصية والتقصير في الطاعة، أما مجرد البحث للوصول للحق والتعرف على ما ورد في نصوص الكتاب والسنة فهذا لا يدخل في دائرة المنع والحظر بل الواجب على المسلم أن يفهم عقيدته.
لا يجوز أن نتخذ من القدر ذريعة للمعصية والكفر وحجة للمقصرين ليتنصلوا من المسؤولية لأن هذا من أخلاق الجاهلية فقد جاء مشركو قريش يخاصمون الرسول صلى الله عليه وسلم في القدر فنزلت الآية: (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ، إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ).
ولا يجوز الخوض في القدر اذا كان سيؤدي إلى النزاع والاختلاف.
الإنسان بين التسيير والتخيير أو بين الجبر والاختيار
تاريخياً: نشأة التسيير والتخيير
أولاً - عند اليونان:
معروفة في الفلسفة اليونانية قبل الإسلام
الأبيقريون يرون أن الإرادة حرة في الاختيار والإنسان يفعل جميع الأفعال بإرادته واختياره دون إكراه.
الرواقيون يرون أن الإرادة مجبرة على السير في طريقها لا يمكن أن تتعداها والإنسان لا يفعل شيئاً بإرادته وإنما هو مجبر على فعل أفعاله.
ثانياً - عند اليهود:
فرقة القراؤون قالوا بالجبر والقدر أي أن الإنسان مسير.
والربانيون قالوا: بالاختيار أي أن الإنسان مخير.
ثالثاً - عند المسيحية الشرقية / انقسموا إلى قسمين:
الأول: ويترأسه يوحنا الدمشقي - الإنسان مسير وهذا يوافق مذهب الجبرية.
الثاني: ويترأسه اليعاقبة - الإنسان مخير وهذا يوافق مذهب القدرية.
رابعاً - الإسلام:
أول من تكلم بالقدر: معبد الجهني، وأخذه عن نصراني اسمه أبو يونس، فالمسألة دخيلة على المجتمع الإسلامي، فالنصرانية كانت مصدراً أساسياً من مصادرها واستطاعت أن تجد لها موطئ قدم في المجتمع الإسلامي عند المعتزلة وقالوا أن الشر لا يجوز إضافته إلى الله .. وأن الله لا يوصف بالقدرة على الشرور والمعاصي، وهذه بداية فرقة القدرية الذين أثبتوا للعبد قدرة توجد الفعل بانفرادها واستقلالها دون الله تعالى ونفوا أن تكون الأشياء بقدر الله وقضائه.
وبعد تتبع الأدلة من الكتاب والسنة في التسيير والتخيير نجد في ظاهرها التعارض، فهناك نصوص في الكتاب والسنة يفهم من ظاهرها أن الإنسان مجبر على أفعاله وأن الله سبحانه خالقه وخالق أفعاله ..
مثل قوله تعالى: (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)، (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)، (قُلْ لَنْ يُصِيبنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّه لَنَا).
وفي المقابل هناك نصوص يفهم منها أن للإنسان اكتساباً بفعله وإرادته واختياراً يسأل عنه مثل قوله تعالى: (كل نفس بما كسبت رهينة)، (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، وقوله: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) والآيات في ذلك كثيرة يفهم منها أن الإنسان مسؤول عن أعماله وقادر على اختيار الخير والشر،
هذا التعارض الظاهري بين هذه النصوص فتح المجال أمام بعض المذاهب لحشد النصوص الموافقة في ظاهرها لرأيه ليؤيد ما ذهب إليه وقام بتأويل النصوص الأخرى تأويلاً غير معقول.
فالجبرية سلبوا الإنسان إرادته واختياره وحرروه من كل مسؤولية، والقدرية بالغوا في حرية الإنسان واختياره ومسؤوليته.
كل مذهب أيدته العوامل السياسية لتبرير الممارسات التعسفية وحتى يستسلم الناس لهم على أن ما يعملونه في شعوبهم إنما هو قدر إلهي.
الموقف الصحيح: أن الله خلق الإنسان وجعله محل التكليف والابتلاء وجعله متميزاً عن غيره من المخلوقات، وجعل فيه صفات النطق والبيان والإرادة والتفكير ووهبه من الخصائص والمزايا الكثير الكثير، ولازالت الدراسات الإنسانية تحاول الوصول إلى إجابة لأسئلته المحيرة، من هو الإنسان؟ وما طبيعته؟ وما هو السر الذي يحمله؟ ما العقل؟ ما الروح؟ ومن أين أتى؟ ولِمَ أتى؟ وإلى أين سيذهب؟ وما علاقته بالأشياء والأحداث التي حوله؟ وهل هو مطلق الحرية فيما يفعل أو يترك؟ أم أن هناك قوة تتحكم في إرادته واختياره؟ فلم تستطيع العقول البشرية الإجابة على هذه الأسئلة كاملة وأجاب عنها القرآن الكريم وحل ألغازها وأعطى رؤية واضحة عن طبيعة الإنسان وحياته بداية ونهاية، وبين موقعه في هذا الوجود ومصيره بعد هذا الوجود.
لقد بين القرآن الكريم أن الإنسان ليس هذا الجسد المادي الظاهر فحسب بل هو جسد وعقل وروح، ولكل خصائصه واحتياجاته.
وبين القرآن الكريم أن الله سبحانه حين خص هذا المخلوق دون غيره بهذه الخصائص العظيمة، لم يكن ذلك عفوياً أو عبثياً وإنما كان تهيئة له وتمهيداً ليتمكن من حمل أمانة التكليف التي أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها فتصدى لها هذا الإنسان الذي هيأه الله لحمل تلك المسؤولية ووضع أمامه طريقين: طريق الخير وطريق الشر، وترك له حرية الاختيار بإرادته وبناءً عليه تقع المسؤولية.
وفي حياته جعل له الجانب الجبري والاختياري أي التسيير والتخيير، ففي الجانب الجبري هناك الصفات الوراثية فليس له أي دور فيها ولا يحاسب عليها، وفي الجانب الاختياري الأفعال اليومية فعلاً أو تركاً وهذه الأمور التي يحاسب عليها في الدنيا والآخرة، يقول تعالى: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ).
الإنسان مسير ومخير، مسير لا يخرج عن قدر الله مهما فعل فهو تحت قدر الله، ومخير لأن له عقلاً وفعلاً واختياراً، أعطاه الله عقلاً، وأعطاه الله فعلاً واختياراً فهو يفعل باختياره ويدع باختياره،
فالعبد له مشيئة، وله اختيار، ولكنه تابع لمشيئة الله سبحانه وتعالى وقضائه وقدره، ولذلك يُثاب على الطَّاعة، ويعاقب على المعصية التي يفعلها باختياره وإرادته، أما الإنسان الذي ليس له اختيار ولا إرادة - كالمكره والناسي والعاجز عن فعل الطاعة - فهذا لا يعاقب؛ لأنه مسلوب الإرادة والاختيار: إما بالعجز، أو بفقدان العقل كالمجنون والمعتوه؛ فهو في هذه الأحوال لا يعاقب على تصرُّفاته، لأنه فاقد للاختيار وفاقد للإرادة.
ولكن نجد فئة من الناس يقومون بالسرقة وبالتصرفات الرذيلة ويقولون قضاء وقدر! كيف يكون قضاء وقدر - هل أن الله جعلك تسرق و تحرق و تقوم بهذه الأعمال. و الكثير من يغفل عن أمور دينية تلهيه الدنيا ومشاغل الحياة و يقول هذا نصيبي في الدنيا، الكثير نجد مدمن كحول ومخدرات ويقول القدر شاء. كيف نحكم على هؤلاء بأن القدر شاء، أليس الإنسان هو المسؤول الأول عن أخطائه، وأن الله سبحانه و تعالى أكرم هذا الإنسان بنعمة العقل والإرادة والقدرة على الفعل.
أذكر موقفاً في عهد الخليفة سيدنا عمر بن الخطاب أن أحداً من المسلمين سرق، وعندما أتوا به على سيدنا عمر بن الخطاب قال السارق لسيدنا عمر أن الله قدر لي أن أسرق فبأي حق تريد أن تقطع يدي؟
أمر سيدنا عمر بقطع يد السارق ثم قال له وأيضاً الله قدر لي أن أقطع يدك.
هنا أوضح سيدنا عمر بن الخطاب أن السرقة ليس لها دخل في القضاء والقدر.
فلا يجوز أن نحكم على جميع أفعالنا بأنها قضاء وقدر؛ فنحن مسيرون و مخيرون في الأرض.
قال الله تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ . لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) [سورة الحديد]