الصورة
إعجاز الفكر البياني في سورة الرحمن
إعجاز الفكر البياني في سورة الرحمن

محاضرة

إعجاز الفكر البياني في سورة الرحمن

أ. د. سمير شريف استيتية

 

ألقى أستاذ اللغة العربية د. سمير شريف استيتية محاضرة بعنوان " إعجاز الفكر البياني في سورة الرحمن " وذلك بدعوة من الجمعية الأردنية لإعجاز القرآن والسنة، ويتضمن الهدف من هذا البحث الكشف عن بعض جوانب الفكر البياني في عروس القرآن سورة الرحمن، والمقصود بالفكر البياني مجموع العمليات العقلية التي يصدر عنها البيان، والكشف عن العلاقة التي تكون - أو ينبغي أن تكون - بين الفكر والبيان الذي يصدر عنه. وقد ارتبط البيان قديماً بعلو التعبير عما في النفس، ورقي هذا التعبير في موازين الجمال الذي يجمع بين إمكانات اللغة، وإمكانات الأدباء والشعراء والكتاب. وهذا المفهوم هو أحد وجهي البيان وأخصهما، ولكن البيان يشمل الإبانة عما في النفس البشرية التي لا يتحقق وجودها العملي إلا بكون الإنسان واعياً لنفسه، واعياً لغيره، واعياً باليقينيات الكبرى من حوله وهي: الكون، الحياة، الإنسان، والعلاقة التصالحية بين هذه اليقينيات.

ولا تكون هذه العلاقة تصالحية إلا بوجود مرجعية أكبر منها جميعاً، وهي الإيمان بالله الذي خلق الكون والحياة والإنسان؛ فالكون ليس عدواً للإنسان، وهو ابن الحياة فكيف تكون عدواً له؟ ويظهر هذا الميثاق الفكري في أول كلمات السورة: ﴿ٱلرَّحۡمَٰنُ١ عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ٢ خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ٣ عَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ٤ ٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ بِحُسۡبَانٖ٥ وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ يَسۡجُدَانِ٦ وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلۡمِيزَانَ٧ أَلَّا تَطۡغَوۡاْ فِي ٱلۡمِيزَانِ٨ وَأَقِيمُواْ ٱلۡوَزۡنَ بِٱلۡقِسۡطِ وَلَا تُخۡسِرُواْ ٱلۡمِيزَانَ٩﴾ [الرحمن: 1-9].

فالرحمة - ومصدرها الرحمن - قد اتسعت أبوابها لتظهر في تعليم الله عز وجل كلامه لخلقه، ثم في خلق الإنسان، وتعليمه اللغة من أدنى الدرجات في التعبير عنها، إلى أرقاها وأعظمها، وكل ذلك بيان ، ولما كان القرآن أعلى أساليب البيان وأرقاها، كان من المنطقي أن يتقدم ذكره.

وأضاف المحاضر أن الرحمة تظهر كذلك في التناسق بين الإنسان والكون الذي يعيش فيه، فكما أن للشمس والقمر حسابات دقيقة يقومان عليها، وكما أن النجم - وهو النبات الذي لا ساق له - والشجر يسجدان لله عز وجل، وكما أن السماء مرفوعة بحساب، فكذلك الإنسان ينبغي أن تكون حياته كلها بحسابات توائم الفطرة التي خلق عليها، وأن تكون مع الكون والحياة في توازن دقيق، فلا طغيان ولا بغي، ولا تطفيف في كيل ولا ميزان، وأن يخضع المخلوقون لله، وأن يسجدوا له.

ويقف هذا البحث عند أصول الفكر البياني التي نستشعر وجودها في السورة، وأظهرها - وكلها ظاهر - التفكير التأملي، والتفكير الجامع، والتفكير الفاصل، والتفكير الاستبدالي، والتفكير الاسترجاعي. وقد تكررت الآية الكريمة ﴿فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ إحدى وثلاثين مرة في السورة، وهي أكثر آية تتكرر في كتاب الله ، وكان ذكرها في كل مرة يحتفي بأمر يتفق أو يختلف عما قبلها وما بعدها. وتشكل بذلك سورة الرحمن أطول خطاب استرجاعي مباشر من الله عز وجل لخلقه، حيث يبدأ هذا الخطاب بالرحمة، وينتهي بأعظم نتيجة لهذه الرحمة ﴿فِي مَقۡعَدِ صِدۡقٍ عِندَ مَلِيكٖ مُّقۡتَدِرِۢ٥٥﴾[القمر: 55]

وتأتي هذه المحاضرة الإيمانية التي أقامتها الجمعية الأردنية لإعجاز القرآن والسنة والتي حضرها جمهور غفير من أساتذة الجامعات والمختصين ضمن سلسلة من المحاضرات الشهرية التوعية بإعجاز القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف في شتى شؤون الإعجاز البياني واللغوي والتشريعي والعلمي.