الإسلام نظام متكامل يشمل الكون والحياة، كما يتناول الإنسان من جميع جوانبه العقدية والاجتماعية والتربوية والسياسية والاقتصادية والمالية، ويلبي متطلباته وأشواقه. وهو نظام فرضه رب العالمين للخلق كافة، والخلق كلهم عياله، كما أن المال ماله، وقد استخلف عباده في هذا المال، ووضع لهم من الأنظمة والتشريعات في كيفية الحصول عليه وإنفاقه، وهم قيد المساءلة والمحاسبة. قال عليه الصلاة والسلام: "لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسأَلَ عن .. مالِه من أين اكتسبَه وفيم أنفقَه"، [رواه الترمذي، وصححه الألباني].
والشريعة كلها عدل وحق لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، والميراث جزء لا يتجزأ من هذه الشريعة، وهو لا يشبه أي نظام أرضي آخر؛ ففي توزيعه تحقيق للعدالة والرفاه الاجتماعي وصلة للأرحام وفيه من الحكم والمنافع مما يجهله كثير من الناس. وهو أرقى نقلة نوعية تشريعية عرفتها البشرية عبر عشرات القرون وفي مختلف الديانات والحضارات.
والمرأة في الإسلام ليست الابنة التي ترث وحدها، بل هي الأم والزوجة والأخت والخالة والجدة الواهنة العظام، والجنين الذي لم يخرج للحياة بعد. وعندما نزل التشريع الإسلامي كانت الأسرة مفككة، ولم يكن للمرأة وجود قيمي واجتماعي يحفظ حقوقها ويدافع عنها، بل كانت سلعة تباع وتشترى. وقد عاملها الإسلام المعاملة الكريمة التي تليق بها، وأنصفها وجعل لها من الميراث نصيباً مفروضاً. وتوعد الله المخالفين لأوامره وحدوده بأشد أنواع العذاب المهين في سجون انفرادية في النار ﴿وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ يُدۡخِلۡهُ نَارًا خَٰلِدٗا فِيهَا وَلَهُۥ عَذَابٞ مُّهِينٞ١٤﴾ [النساء: 14].
وتطالب في الوقت الحاضر مؤسسات عالمية حقوق ميراث جديدة للمرأة - وكأنها مهضومة الحقوق - وذلك ضمن هجمة دولية شرسة على الإسلام وقيمه العليا، وعلى الأسرة الحصن الحصين ومنبت الخير والفضيلة، في الوقت الذي لا تقيم فيه هذه المؤسسات وزناً قيماً للمرأة بل تبغي إخراجها من خدرها وبيتها لتكون مضغة تلوكها الأفواه الجائعة والعيون الخائنة، وكل ذلك خروج عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها والعودة بالمرأة إلى الجاهلية الأولى التي أخرجها الله منها.
وانطلاقاً من كل الإرهاصات السابقة تقيم الجمعية الأردنية لإعجاز القرآن والسنة هذا اليوم العلمي الرابع عشر "الإعجاز التشريعي في الميراث" بالتعاون مع جمعية العفاف الخيرية ونقابة المهندسين الأردنيين وتحت رعاية سماحة قاضي القضاة، وبمشاركة نخبة من العلماء والباحثين والقضاة، لبيان إعجاز القرآن والسنة النبوية المطهرة في سمو تشريعاته في بناء الأمة والرقي بالإنسان إلى أعلى درجات الكمال، وفي تشريعاته الخاصة بالأسرة والمحافظة على حقوقها في مختلف مراحلها العمرية ومواقعها الأسرية؛ زوجة وبنتاً وأختاً وجدة وخالة، ولتؤكد أن جميع الأنظمة الأرضية لن تستطع أن تصل إلى مستوى العدالة الربانية في إنصافها وإكرامها.