نشرة بينات 4

خلق الله الإنسان وسخر له ما في السماوات والأرض، وخلق الأرض وذلل له ما فيها من أنهار وأشجار، ونباتات ومعادن وأحجار، وحيوانات ودواب وطيور، وأنزل الماء وساق السحاب وأرسل الرياح كل ذلك بقدر معلوم، وأخرج له من الأرض من كل شيء موزون، ومن كل زوج بهيج. وخلق له كل شيء بقدر، قال تعالى: «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ» [القمر: 49].

والإنسان مستخلف في الأرض، والطبيعة هي رأس ماله؛ يأكل من خيراتها، ويشرب من مياهها، ويتمتع بثمارها، ويتنفس هواءها، ويطير في أرجائها، ويستخرج كنوزها ومعادنها ونفطها، ويسكن في سهولها وجبالها، وأيّ خلل أو جور في استثمار هذه النعم سيُؤثِّر سلباً على الحرث والنسل وإدامة الحياة.

واستخلاف الإنسان في الأرض وعمرانه لها مهمة جليلة كلّف الله بها الإنسان وحده، ولم يكلف بها الجن ولا الملائكة، بالرغم من قدراتهم وإمكانياتهم، قال تعالى: «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا» [هود: 61]، وهي حكمة تقتضي أن يتعاون أهل الأرض مهما اختلفت مللهم ونحلهم لحفظها، وحماية ما يدب عليها من بشر وشجر ودواب وأنعام وطيور، وحماية جوها وترابها، بحارها وأنهارها، غاباتها وسهولها من التلوث والفساد والتصحر، ومن الآفات والحشرات، ومن تغيير سنن الله فيها.

لقد أرسى الإسلام - بوصفه رسالة السماء الأخيرة لأهل الأرض - منهجاً للبشرية إلى يوم الدين، وشرع مبادئ وأسساً للعلاقة بين الإنسان والطبيعة، قال تعالى: «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا» [هود: 61]، فالتولي والحياد عن شرع الله وعدم عمران الأرض وإصلاحها وحفظها سوف يؤدي إلى خرابها والبشرية معاً، وسوف يؤدي بالتالي إلى نشر الفساد في البر والبحر والجو، قال تعالى: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ» [الروم: 41]، والمفسدون في الأرض لا يحبهم الله ولا يرضى عن أعمالهم، وهم لا وزن لهم في الأرض ولا في السماء؛ «فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ» [ الدخان - 29]، وقال تعالى: «أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ» [ص: 28].

وتأتي إقامة هذا اليوم العلمي الثالث عشر الذي تقيمه الجمعية الأردنية لإعجاز القرآن والسنة بالتعاون مع مدارس أكاديمية الرواد الدولية ويشارك فيه نخبة من العلماء والباحثين - ليضيف لبنة جديدة لبناء صرح علمي في ما يتناوله من مواضيع عن سنن الله في التوازن البيئي العجيب، الذي يضم ملايين الأنواع من العائلات الحيوانية والنباتية، ومن المياه والهواء والغازات الطبيعية، والذي استمر بلايين السنين دونما تغيير، كما يشير إلى مشاكل البيئة الأردنية وبعض الحلول المقترحة، وليشير إلى إعجاز القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في وضعهما الأسس والمبادئ والضوابط للمحافظة على البيئة وحمايتها من التلوث، والتي سبقت في سموها وكمالها وشمولها ما توصل إليه علماء الغرب قبل أكثر من أربعة عشر قرناً.