نشرة بينات 6

يعيش العالم اليوم عصراً طغت فيه المادة على حياة الناس ومناهج حياتهم، فأقاموا لأنفسهم أنظمة مالية واقتصادية لم تحقق لهم أمناً ولا رخاءً ولا عدلاً، بل جلبت لهم الشقاء والفقر والحرمان والحروب، لأن هذه الأنظمة لم توقد قناديلها بضياء السماء ولم تهتدي بهدى الرحمن. والله لم يخلق البشرية عبثاً، ولم يتركهم سدىً، فأرسل إليهم رسلاً، وأتم نعمته عليهم، وأكمل لهم دينهم، وسنَ لهم منهاجاً كاملاً للحياة، يوفر لهم السعادة والأمن والرغد؛ منهاجاً عقدياً اجتماعياً وسياسياً وأخلاقياً وتربوياً، ونظاماً للحكم والقضاء والشورى، ونظاماً للمال؛ كسباً وإنفاقاً واستثماراً.

ولا تشكل المعاملات المالية والاقتصادية إلا فرعاً من فروع هذا المنهاج الرباني، الذي يقوم على أساس أن المال مال الله، خلقه وسخره للإنسان، وهو فيه مستخلَف، وفق شروط المستخلِف: كسباً وإنفاقاً وتصرفاً. كما جعل الله المال وسيلة لغايات عليا، وهي: حفظ الدين والنفس والعقل والنسل. وتلبية حاجات الإنسان الروحية والمادية على نحو محكم، انطلاقاً من نظرة الاسلام الكلية للحياة، التي مزجت بين الروح والمادة، والموازنة الدقيقة بين الحاجات الفردية والحاجات الاجتماعية.

والإعجاز التشريعي في القرآن الكريم - بكل أحكامه - حقيقة بارزة لا تقبل ريباً ولا يكتنفها الغموض، لأنه شرع منزّل من لدن رب العالمين. لقد نزل القرآن على أمة أمية، ليس فيها من مقومات الاقتصاد إلا النزر اليسير، وليس فيها حضارة مالية ولا رؤى اقتصادية، وسبق بتشريعاته كل القوانين الأرضية الحديثة والقديمة منها، وأثبت صلاحيته للناس جميعاً في كل العصور، وهو النظام الوحيد القادر على حل مشاكل الإنسانية، والتماشي مع مختلف الحضارات، فالإعجاز ثابت في أصول المنهاج، بخلاف الأحكام التي يضعها البشر، وهي أحكام خاصة لا عامة، يعتريها التغيّر كلما تطورت الظروف والأحوال.

لقد أنشأ هذا المنهاجُ الرباني - بدقة أحكامه التي توائم الفطرة البشرية، وبحسن تنفيذ هذه الأحكام - حضارةً عالمية زاهية، ملأت الدنيا رحمة وعدلاً وأمناً، فسادت العالم أكثر من ألف عام، وهي حضارة واقعية تملك أسباب استمرارها مهما تطورت الأمم، وهذا الإعجاز التشريعي لم ترتق البشرية إلى مثله أبداً ولن تصل.. فمن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون؟

وانطلاقاً مما ذكرناه؛ فإن الجمعية الأردنية لإعجاز القرآن والسنة تقيم هذا اليوم العلمي الحادي عشر الذي يشارك فيه ثلة من العلماء والفقهاء ومدراء البنوك وأساتذة الجامعات ومستشارون شرعيون ومختصون، لتضيف لبنة جديدة من لبنات المعرفة عن أوجه الإعجاز القرآني، في مجالات التشريع الإسلامي في المال والاقتصاد، إضافة إلى دور المصارف الإسلامية في التنمية الاقتصادية، ويشار إلى أن البرنامج يشمل الموضوعات الرئيسية الآتية:

  1. الإعجاز التشريعي في الاقتصاد الإسلامي
  2. الأصول العامة للاقتصاد الإسلامي
  3. المالية العامة في الإسلام
  4. العمليات المصرفية الإسلامية

وهكذا... تمد الجمعية يدها لكل الغيورين والعلماء والمختصين، للعمل معاً على خدمة القرآن الكريم وعلومه، والدفاع عما يتعرض له من اتهامات باطلة، والمشاركة في المحاضرات والندوات، وتقديم الأبحاث العلمية المناسبة للغة العصر.