إن من أكثر مخلوقات الكون التي تحدث عنها القرآن الكريم هي السموات وما فيها من أجرام وقد حث القرآن الكريم البشر على التفكر فيها لكي يعلموا من خلال بديع صنعها أنه لا بد وأن يكون لها خالقا لا حدود لعلمه وقدرته فقال عز من قائل "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ " آل عمران190-191. ومن المؤكد أنه كلما زادت معرفة الإنسان المتفكر بمكونات هذا الكون وبالقوانين التي تحكمه كلما ازدادت أفاق تفكيره وتقديره لمن قام بصنع هذا الكون. ولقد جاء تأكيد هذه الحقيقة في قوله تعالى "فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ" الواقعة 75-76. فلقد ربط الله سبحانه وتعالى تقدير عظمة القسم بمواقع النجوم بمقدار علم البشر بهذه النجوم من حيث أحجامها وأبعادها وما يجري في داخلها كما فصلت ذلك في مقالة "فلا أقسم بمواقع النجوم".
ولم يكتف القرآن الكريم بحث البشر على التفكر في هذه المخلوقات بل ذكر لهم بعض الحقائق اللطيفة والدقيقة عن كثير من هذه المخلوقات لكي يوقنوا عند إكتشافها أن الله عز وجل قد أحاط بها علما وذلك مصداقا لقوله تعالى "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)" الطلاق . فها نحن في هذا العصر الذي فتح الله عز وجل فيه على البشر مختلف أنواع العلوم والاكتشافات فهمنا حق الفهم معاني كثير من الآيات القرآنية التي تتحدث عن آيات الله في الكون. فقد علمنا لماذا أقسم الله عز وجل بمواقع النجوم وببعض أنواع النجوم كالنجم الثاقب والنجوم الخنس الجوار الكنس والسراج الوهاج والشعرى والقمر المنير وغيرها . وفهمنا ما هو المقصود بالجبال الأوتاد في الأرض وجبال البرد في السماء والغيوم الركامية والسماء الدخانية وأفلاك الأجرام السماوية وغير ذلك الكثير. بل إن بعض هذه الإشارات ساعدتنا من التأكد من صحة ما توصل إليه العلماء من نتائج وخاصة تلك المتعلقة بنشأة الكون الذي حدث في الماضي السحيق والذي لم يشهده البشر كما في قوله تعالى " ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ".
وقد لا يعلم كثير من الناس أن هذا الكون بما فيه من بلايين البلايين من الأجرام قد بني على مبدأ بسيط وبديع صرح به القرآن الكريم قبل ألف سنة من إكتشاف البشر له وهو قوله تعالى "وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ". فهذا الكون لا يمكن أن يكون مستقرا بأي حال من الأحوال إلا إذا كان كل جرم من أجرامه في حالة حركة مستمرة ولو حدث أن توقف أي جرم عن الحركة لأنجذب فورا إلى أقرب الأجرام إليه بسبب قوة الجاذبية التي أودعها الله مادة الكون. ولهذا فقد اختار الله سبحانه نوعين من الحركة لهذه الأجرام حركة دائرية وأخرى خطية فالحركة الدائرية اختارها الله عز وجل لحفظ الأقمار حول الكواكب والكواكب حول الشموس والشموس حول مراكز المجرات ولوقف هذه المتوالية اختار الله سبحانه الحركة الخطية لحفظ المجرات من الإنجذاب لبعضها البعض حيث أنها تتحرك في مسارات باتجاهات خارجة من مركز الإنفجار الكوني وصدق الله العظيم القائل "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)" يس والقائل سبحانه "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيۡلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمۡسَ وَالۡقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسۡبَحُونَ (33)" الأنبياء.
النموذج الحديث للكون
بقي البشر حتى بداية القرن السادس عشر الميلادي يعتقدون أن الأرض هي مركز هذا الكون وأن جميع ما فيه من أجرام تتحرك حولها وهي ثابتة لا تتحرك أبدا كما توحي بذلك حواسهم إليهم. وبناءا على هذا الاعتقاد قام الفلكي الإغريقي بطليموس في القرن الثاني الميلادي بوضع أول نموذج يفسر حركات الأجرام السماوية المختلفة كالشمس والكواكب وبقية النجوم وتنص نظريته على أن الأرض كروية الشكل وهي ثابتة في مركز الكون وتدور جميع الأجرام السماوية حولها على أبعاد ثابتة من بعضها البعض باستثناء بعض الأجرام التي تدور بعكس هذه الخلفية في مسارات تبدو متمردة. وبقي نموذج بطليموس هو المعمول به في علم الفلك حتى ظهر الفلكي الشهير كوبرنيكس في القرن السادس عشر وقرر أن الشمس هي مركز المجموعة الشمسية وتدور الكواكب بما فيها الأرض حولها. لم يبني كوبرنيكس نظريته من فراغ بل اعتمد على كم هائل من الدراسات الفلكية التي أجراها العلماء من قبله وخاصة علماء المسلمين الذين استلموا قيادة المسيرة العلمية في العصور الوسطى.
فقد انتقد ابن الهيثم في القرن الحادي عشر من ناحية رياضية بحته نموذج بطليموس في مقالة له "شكوك حول بطليموس" وقال أنه نموذج غير قادر على تفسير كثير من الحركات الفلكية ولا بد إذا من تطويره. وقد صرح البيروني كذلك في القرن الحادي عشر بأن الأرض تدور حول محورها وتدور كذلك مع بقية الكواكب حول الشمس حيث يقول بكل صراحة في كتابه "الآثار الباقية في القرون الخالية" "ليست الشمس هي سبب تفاوت الليل والنهار بل إنّ الأرض ذاتها هي التي تدور حول نفسها وتدور مع الكواكب والنجوم حول الشمس" ولكنه عاد ليقول بأن مثل هذا القول قد لا يصلح لأننا لا نكون في موضع نتمكن من التحقق من حقيقة هذا الدوران. وقد قام العالم الفلكي الفذ ابن الشاطر الدمشقي في القرن الرابع عشر ببناء نموذج معقد كانت الشمس فيه مركز لحركات الكواكب وتتحرك هي بدورها حول الأرض وقد تمكن هذا النموذج من تفسير معظم الحركات الفلكية التي فشل نموذج بطليموس من تفسيرها وهو أقرب ما يكون للنموذج الذي وضعه كوبرنيكس فيما بعد وقد نشر نتائج أبحاثه في كتابه "تحرير نهاية السؤال في تصحيح الأصول".
وفي عام 1543م نشر الفلكي البولندي نيكولاس كوبرنيكس (Nicolaus Copernicus) نظرية جديدة تقول أن الشمس هي مركز المجموعة الشمسية وأن الكواكب بما فيها الأرض تدور حولها في مدارات مستقلة وأثبت كذلك أن الأرض تدور حول محورها دورة كاملة كل 24 ساعة فينتج عن ذلك ظاهرة الليل والنهار بينما تدور حول الشمس مرة كل عام مما ينتج عنها ظاهرة تغير الفصول. لقد قابل عامة الناس إدعاءات كوبرنيكس حول حركة الأرض بالسخرية بل تجاوز الأمر حد السخرية وقررت الكنيسة محاكمة كوبرنيكس وكل العلماء الذين يرون رأيه واتهموهم بالزندقة والكفر وقاموا بمصادرة وإحراق أبحاثهم ففر كوبرنيكس من روما حتى لا يتم القبض عليه وإلا كان مصيره الإعدام أو الحرق كما حدث لبعض العلماء. وفي مقابل هذه السخرية من قبل عامة الناس كانت فرحة علماء الفلك بهذه النظرية غامرة فقد حلت هذه النظرية عدد لا يحصى من الألغاز التي كانت تحيرهم حول حركة الأجرام السماوية وخاصة كواكب المجموعة الشمسية. واعتمد كوبرنيكس على المنهج الاستقرائي لإثبات أن الأرض متحركة وليست ساكنة وذلك بالإعتماد على أدله كثيرة يعضد بعضها بعضا جعلت كوبرنيكس يصل إلى قناعة تامة بأن الأرض ليست بساكنة. ومن الأدلة التي اعتمد عليها كوبرنيكس هو أن حساب حركات الأجرام السماوية تصبح سهلة جدا بافتراض أن الشمس هي مركز المجموعة الشمسية بعد أن كانت بالغة التعقيد في حالة افتراض أن الأرض هي المركز. وكذلك فإنه من غير المعقول أن الشمس التي يفوق حجمها حجم الأرض بمليون مرة تدور حول هذه الأرض الصغيرة الحجم بل العكس لا بد أن يكون هو الصحيح. إن منتهى العبقرية أن يكذب الإنسان حواسه التي توحي له بأن الأرض ساكنة لا تتحرك ويصدق الحسابات الرياضية التي تثبت أن الأرض في حركة دائبة.
وفي عام 1619م تمكن الفلكي الألماني جوهانس كيبلر (Kepler) من خلال القياسات التجريبية التي قام بها علماء سبقوه لمدارات الكواكب حول الشمس من تحديد أشكال ومواصفات هذه المدارات بمعادلات رياضية. فلقد قام كيبلر بوضع ثلاثة قوانين رياضية تجريبية سميت باسمه تصف بدقة عالية طبيعة هذه المدارات. فالقانون الأول لكيبلر يحدد شكل المدار الذي يتخذه الكوكب حول الشمس وهو مدار بيضاوي أو اهليلجي بحيث تكون الشمس في إحدى بؤرتيه وأما القانون الثاني فيحدد سرعة الكوكب في المدار وأما القانون الثالث فيحدد زمن دورة الكوكب في مداره. ومع ظهور هذه القوانين الثلاث لكيبلر زال أي شك في نموذج مركزية الشمس الذي اقترحه كوبرنيكس في عام 1543م بسبب قدرته الفائقة على تحديد مدارات وسرعات ودورات جميع كواكب المجموعة الشمسية.
ومع اكتشاف العالم الانجليزي الفذ اسحق نيوتن لقانون الجذب العام وقوانين الحركة الثلاث في عام 1687م كان أول ما قام به نيوتن هو التأكد من صحة نموذج كوبرنيكس لمركزية الشمس وكذلك صحة قوانين كيبلر الثلاث باستخدام قوانينه بطريقة رياضية بحتة. وكانت النتيجة هو التطابق التام بين النتائج التي حصل عليها نيوتن بشكل رياضي بالاعتماد على قوانين فيزيائية وقوانين كيبلر المبنية على القياسات التجريبية. ولا يمكن لنا أن نتخيل مدى فرحة هذا العبقري بهذه النتائج فهي أولا أنها أثبتت صحة قوانينه لتمكنها من تفسير قوانين كيبلر المبنية على القياسات التجريبية وثانيا أنها أكدت على صحة نموذج مركزية الشمس لكوبرنيكس. ومع ظهور قوانين نيوتن أصبح تفسير حركات جميع أجرام السماء وليس فقط كواكب المجموعة الشمسية في منتهى السهولة بالنسبة للمختصين في هذا المجال. أما النتيجة الأهم لهذه القوانين فهي أن الكون بناء على قانون الجاذبية لا يمكن أن يكون مستقرا إلا إذا كان كل جرم من أجرامه في حالة حركة مستمرة ولو حدث أن توقف أي جرم عن الحركة لأنجذب فورا إلى أقرب الأجرام إليه وأندمج معه. ولمنع الأجرام السماوية من الإنهيار على بعضها البعض كان لزاما أن يدور بعضها حول بعض بحيث تتساوى قوة الجذب بينها مع قوة الطرد المركزي الناتجة عن حركتها الدائرية. ولذلك نجد أن الأقمار تدور حول كواكبها والكواكب تدور حول نجومها والنجوم تدور حول مركز المجرة في هذا الكون لكي لا تسقط على بعضها البعض.
لقد اختار الله سبحانه وتعالى الحركة الدائرية لحفظ الأقمار حول الكواكب والكواكب حول النجوم والنجوم حول مراكز المجرات والمجرات حول مراكز عناقيد المجرات ولكن بما أن هذه المتوالية لن تستمر إلى ما لانهاية بسبب محدودية حجم هذا الكون كان لا بد من وقفها. ولكن إيقاف الحركة الدائرية عند مستوى ما كعناقيد المجرات على سبيل المثال يعني إنهيار كامل للكون نحو المركز بسبب قوة الجذب بين هذه المجرات. لقد كان الحل لهذه المعضلة الكبرى التي تتعلق باستقرار الكون في اكتشاف ما يسمى بالإنفجار العظيم (the big bang) والذي عمل على دفع المجرات بسرعات خيالية بعيدا عن مركز الكون للتغلب على قوة الجاذبية بينها وبذلك تمنع الكون من الانهيار على بعضه وصدق الله العظيم القائل "إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا" فاطر 41. لقد ظهرت نظرية الانفجار العظين بعد أن قام الفلكي والرياضي الروسي الكسندر فريدمان في عام 1922م بإعادة حل معادلات النسبية العامة التي وضعها ألبرت أينشتاين في عام 6191م وتبين له من الحل أن الكون في حالة توسع دائم وذلك على عكس ما توصل إليه أينشتاين عندما حل هذه المعادلات وأثبت أن الكون ساكن. وقد اعترف أينشتاين فيما بعد بأنه قد ارتكب أكبر غلطة في حياته عندما اختار قيمة الثابت الكوني (cosmological constant) في معادلاته ليبقى على الكون ساكنا (static universe) لأن ذلك كان هو الاعتقاد السائد في الأوساط العلمية. وفي عام 1929م اكتشف الفلكي الأمريكي إدوين هابل (Edwin Hubble) بالاعتماد على قياس مقادير الإزاحة الحمراء (red shift) في الطيف المنبعث من أعداد كبيرة من المجرات أن المجرات البعيدة تنحسر بسرعة أكبر من المجرات القريبة ثم قام بوضع القانون الذي يربط ما بين المسافة التي تفصلنا عن هذه المجرات وبين سرعة انحسارها أو ما يسمى بقانون هابل (Hubble's law). إن مثل هذه الظاهرة لا يمكن تفسيرها إلا من خلال افتراض أن هذه المجرات قد انطلقت من مكان واحد في هذا الكون وتطايرت في جميع الاتجاهات هذا على افتراض أن الكون متجانس في جميع أرجاءه وذلك في النطاق الواسع (large scale) وهي أحد أهم الفرضيات التي يعتمد عليها علماء الكون في دراساتهم. وفي عام 1931م اقترح القس البلجيكي جيرجس لامتير (Georges Lemaître) سيناريو للطريقة التي نشأ بها الكون وهو أنه قد ظهر نتيجة لانفجار عظيم (massive blast) لما يسمى بالبيضة الكونية (cosmic egg) والتي كانت تحتوي على جميع مادة وطاقة هذا الكون وقد أطلق على هذا الإنفجار فيما بعد اسم الانفجار العظيم (Big Bang). وبناءا على هذه الحقيقة بدأ علماء الفيزياء الفلكية بدراسة سلسلة الأحداث والمراحل التي مر بها الكون منذ لحظة انفجاره إلى الآن ومن أهم المراحل التي اكتشفها العلماء هي المرحلة التي امتلأ بها الفضاء الكوني بالجسيمات الأولية ثم الذرات (particle era) والتي بنيت منها جميع أجرام هذا الكون فيما بعد. ولقد أشار القرآن الكريم إلى هذه المرحلة قبل اكتشاف العلماء لها بما يزيد عن 1350 عام وذلك في قوله تعالى "ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) " فصلت.
لقد شرحت نظرية الانفجار العظيم في أكثر من مقالة كمقالة (فلا أقسم بمواقع النجوم) ومقالة (الانفجار العظيم في القرآن الكريم وفي صحف إدريس) المنشورة على هذه المدونة ولكن سأورد فيما يلي بعض الآيات القرآنية التي تؤكد حدوثه. فقد أشار القرآن الكريم إلى أن السموات وما تحويه من أجرام كانت كتلة واحدة ثم تفتفت جميع مادة هذا الكون من هذه الكتلة التي ملأت الكون بمادة دخانية وذلك مصداقا لقوله تعالى "أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ" الأنبياء 30. وممّا يؤكد على أن مادة هذا الكون قد جاءت نتيجة انفجار كوني ضخم هو إشارة القران إلى أن الكون في توسع مستمر والتوسع لا يتأتى إلا إذا بدأ الكون من جرم صغير وبدأ حجمه بالازدياد وذلك مصداقا لقوله تعالى "وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ" الذاريات 47. أما الآية الثالثة التي تؤيد صحة هذه الفرضية هو قوله تعالى "يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ" الأنبياء 104 فإذا كانت الآية السابقة تشير إلى توسع الكون عند بدايته فإن هذه الآية تشير إلى انكماشه عند نهايته وسيعيد الله الكون إلى ما كان علية عند بدايته. أما الآية التي كشفت إحدى المراحل التي مر بها الكون بعد الإنفجار العظيم وهي مرحلة الدخان وهي في قوله تعالى "ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)" فصلت. لقد تفرد القرآن الكريم دون بقية الكتب السماوية السابقة بذكر حقيقة أن مادة الكون الأولية كانت على شكل دخان وهو تعبير مجازي عن الجسيمات الأولية التي ملأت الفضاء الكوني بعد الإنفجار العظيم. ولا بد هنا من أن نسأل الذين لا يصدقون بأن هذا القرآن منزل من عند الله عز وجل من أين جاء هذا النبي الأمي الذي عاش في أمة أمية بهذه الحقيقة الكبرى عن حالة الكون عند بداية خلقه والتي بقيت مجهولة إلى أن كشفها الله على أيدي خلقه في هذا العصر فقط وصدق الله العظيم القائل "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) " فصلت والقائل سبحانه "وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)" النمل.
قانون الجذب العام وقوانين الحركة
تحكم جميع مكونات هذا الكون ثلاثة قوى رئيسية وهي أولا قوة الجاذبية والتي تحكم حركة الأجرام في مداراتها والقوة الكهرومغناطيسية وتحكم حركة الالكترونات حول أنوية الذرات والقوة النووية بنوعيها والتي تربط البروتونات والنيوترونات في داخل أنوية الذرات. فقانون الجاذبية الذي اكتشفه الفيزيائي والرياضي الانجليزي الشهير اسحق نيوتن في عام 1687م ينص على أن أي جسمين يجذبان بعضها البعض بقوة تتناسب طرديا مع حاصل ضرب كتلتيهما وعكسيا مع مربع المسافة بين مركزيهما وبثابت تناسب يسمى ثابت التجاذب الكوني (universal gravitational constat G= 6.674x10-11 m3/kg.s2) . وإلى جانب قانون الجاذبية اكتشف نيوتن في نفس الفترة قوانين الحركة الثلاث فأولهما ينص على أن الجسم يبقى على حالته من سكون أو حركة طالما لم تؤثر عليه قوة خارجية. وأما الثاني فينص على أن الجسم إذا ما اثرت عليه قوة ثابتة فإنه يتسارع بمقدار يساوي حاصل قسمة القوة على كتلته وأما الثالث فينص على أن الجسم إذا أثر بقوة على جسم آخر فإن الجسم الثاني سيؤتر بنفس القوة على الجسم الأول ولكن بعكس الاتجاهأو بصيغة أخرى لكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه. لقد كان أول تطبيق لقانون الجاذبية وقوانين الحركة الثلاث هو قيام نيوتن بنفسه بتحديد حركة ومدارات كواكب المجموعة الشمسية ومدار القمر حول الأرض وكانت النتيجة مطابقة تماما للنتائج التي حصل عليها كيبلر في عام 1619م ولكن كانت بطريقة تجريبية. وبمعرفة ثابت التجاذب الكوني تمكن العلماء من حساب كتلة الشمس وجميع الكواكب وكذلك أي جرم في السماء إذا ما تم معرفة مدة دوراتها في مداراتها فعلى سبيل المثال تبلغ كتلة الشمس (1.989X 1030 kg) وكتلة الأرض (5.972X 1024 kg) .
أشكال المدارات وعناصرها
يتم تحديد أشكال مدارات الأجرام السماوية الطبيعية منها والصناعية باستخدام علم الميكانيكا المدارية (orbital mechanics) وهو أحد أفرع الميكانيكا السماوية (celestial mechanics) في الفيزياء الفلكية. ويتم استخدام قانون الجاذبية وقوانين الحركة الثلاث إلى جانب الأدوات الرياضية المختلفة وعلى رأسها التفاضل والتكامل لحل المدارات التي تتبعها الأجرام المختلفة عند وجودها بالقرب من بعضها. إن تحديد مدارات الأجرام بشكل عام من الصعوبة بمكان بحيث أنه لم يتم حل المسألة بطرق تحليلية إلا لحالة الجسمين أما في حالة ثلاثة أجسام وأكثر فإنه يتم استخدام التحليل الرقمي والنمذجة الحاسوبية لإيجاد مدارات مثل هذه الأجسام. وتصبح المسألة سهلة الحل في حالة دوران الأجسام الصغيرة حول أجسام كبيرة تفوقها وزنا كدوران الكواكب حول النجوم والأقمار الطبيعية والصناعية حول الكواكب.
ولقد تمكن الفلكي الألماني جوهانس كيبلر (Kepler) في عام 1619م من خلال القياسات التجريبية لمسارات الكواكب حول الشمس من تحديد أشكال مداراتها وقام بوضع ثلاثة قوانين سميت باسمه تصف طبيعة هذه المدارات. فالقانون الأول لكيبلر ينص على أن المدار الذي يتخذه الكوكب حول الشمس له شكل القطع الناقص (البيضاوي أو الاهليلجي) (ellipse) وتكون الشمس في إحدى بؤرتيه. أما القانون الثاني فينص على أن الخط الواصل بين الكوكب والشمس يقطع مساحات متساوية في الفترات الزمنية المتساوية أثناء حركة الكوكب في مداره. أما القانون الثالث فينص على أن مربع زمن الدورة المدارية (orbital period) يتناسب مع مكعب نصف طول المحور الأكبر للمدار وثابت التناسب هو ثابت كيبلر (Kepler constant) للشمس وهو يساوي حاصل ضرب ثابت التجاذب الكوني في كتلة الجسم المركزي وهي الشمس في هذه الحالة. ومدار القطع الناقص هو مدار ذو شكل بيضاوي وله بؤرتان أو مركزان وقطران أكبر وأصغر ويتحدد بكميتين وهما نصف طول القطر الأكبر(semi-major axis) والانحراف المركزي (eccentricity) والذي يتخذ قيم تتراوح بين الصفر والواحد. ويعتبر المدار الدائري حالة خاصة من المدار البيضاوي عندما تبلغ قيمة الانحراف المركزي الصفر ويتطابق المركزان في مركز واحد والقطران في قطر واحد. وسرعة الكوكب في المدارات البيضاوية غير ثابتة فهي أعلى ما تكون في نقطة الحضيض (perigee) عندما يكون الكوكب أقرب ما يكون للشمس وأقل ما تكون في نقطة الأوج (apogee)عندما يكون الكوكب أبعد ما يكون عن الشمس. أما في المدار الدائري فإن سرعة الكوكب ثابتة بسبب ثبات بعده عن الشمس.
ويلزم لتوصيف أي جرم في مداره في الفضاء بشكل كامل ستة قيم تسمى العناصر المدارية (orbital elements) أو عناصر كيبلر (Keplerian elements). فإثنان منها تحدد شكل المدار وهما نصف طول القطر الأكبر(semi-major axis) والانحراف المركزي (eccentricity) وثلاثة منها وهي زوايا تحدد اتجاه مستوى المدار (orbital plane) بالنسبة لمستوى مرجعي (reference plane) وهي أولا زاوية الميل (inclination angle ) بين المستويين وثانيا خط طول العقدة الصاعدة (longitude of ascending node) وهي زاوية تقاس من اتجاه مرجعي (reference direction) محدد إلى نقطة تقاطع المدار مع المستوى المرجعي في حالة صعود الجرم وثالثا زاوية ميل نقطة الحضيض عن خط تقاطع المدار مع المستوى المرجعي. أما العنصر الأخير فيحدد موقع الجرم في المدار عند كل لحظة زمنية وتقاس كزاوية تسمى الزاوية الحقيقية (true anomaly) لموقع الجرم مقاسة من نقطة الحضيض. إن تحديد هذه العناصر المدارية من الأهمية بمكان للأقمار الصناعية والمركبات الفضائية فالمحطات الأرضية التي تتحكم بهذه الأقمار تحتاج لمعرفة موقع القمر الصناعي أو المركبة بشكل بالغ الدقة لضمان الاتصال به بشكل مستمر.
سرعة وطاقة الأجرام في المدارات
يلزم الجرم لكي يبقى سابحا في مداره حول الجرم المركزي أن يتحرك بسرعة محددة بحيث تتساوى فيها قوة جاذبية الجرم المركزي مع قوة الطرد المركزي (centrifugal force) على الجرم الدائر. ومن السهل في حالة المدارات الدائرية حساب هذه السرعة وهي تساوي الجذر التربيعي لحاصل تقسيم ثابت كيبلر للجرم المركزي(m=GM) على المسافة بين مركز ي الجرمين (V= ) وهي سرعة ثابتة بسبب ثبات المسافة. ويبلغ ثابت كيبلر للشمس (1.327X 1020 (m3/s2 وللأرض (3.986 X 1014 m3/s2) وعند تعويض المسافة بالأمتار نحصل على السرعة بالمتر في الثانية. أما في المدارات البيضاوية فإن سرعة دوران الجرم متغيرة حسب معادلة معينة وهي أعلى ما تكون في نقطة الحضيض (perigee) وأقل ما تكون في نقطة الأوج (apogee). ولا تعتمد سرعة دوران الجرم في أي مدار على كتلته فالجرم الصغير أو الكبير إذا ما وضعا في نفس المدار فإنهما سيدوران بنفس السرعة. وأما الحقيقة الأهم فهي أن الجرم إذا ما تم وضعه في المدار بالسرعة اللازمة فإنه سيبقى يدور فيه إلى الأبد وبدون أي قوة دافعة طالما لم تؤثر عليه قوة تحرفه عن مساره وذلك طبقا لقانون نيوتن الأول للحركة. ولذلك نجد أن الأقمار تدور حول كواكبها والكواكب حول نجومها في هذا الكون دون انحراف يذكر وذلك منذ أن وضعها الله عز وجل في مداراتها قبل بلايين السنين. وعلى سبيل المثال فإن محطة الفضاء الدولية تدور في مدار دائري على ارتفاع 400 كيلومتر عن سطح البحر وبسرعة تبلغ 27650 كيلومتر في الساعة وتكمل دورتها حول الأرض في تسعين دقيقة. أما الأقمار الصناعية المتزامنة فتدور في مدار دائري حول خط الاستواء على ارتفاع 36000 كيلومتر عن سطح البحر وبسرعة تبلغ 11052 كيلومتر في الساعة وتكمل دورتها في يوم واحد وهي دورة الأرض حول نفسها ولذا تبدو ثابتة لمن يشاهدها من الأرض.
ويحتاج الجرم لوضعه في مداره بالسرعة المطلوبة كمية من الطاقة يمكن حسابها إذا ما تم معرفة الموقع الابتدائي والسرعة الابتدائية للجرم قبل وضعه في المدار . وتتكون طاقة الجرم وهو في مداره من مجموع طاقة الوضع (potential energy) والتي تساوي حاصل ضرب ثابت الجاذبية بكتلتي الجرم المركزي والجرم الدائر مقسوم على المسافة بين مركزيهما (-GmM/r) والطاقة الحركية (kinetic energy) والتي تساوي نصف حاصل ضرب كتلته في مربع سرعته (0.5 m V2). ويبقى مجموع طاقة الوضع والطاقة الحركية ثابتا لكل مدار ولذا نجد أن الجرم في المدارات البيضاوية يتسارع عند اقترابه من الجرم المركزي ويتباطأ عند ابتعاده عنه. وللتوضيح يتم وضع الأقمار الصناعية المختلفة في مداراتها باستخدام صواريخ جبارة تقوم برفع نفسها ووقودها والقمر الصناعي الذي تحمله إلى الارتفاع المطلوب للمدار ثم يتم دفع القمر بالقوة المناسبة ليصل إلى السرعة التي تبقيه في مداره. وتحدد سرعة اطلاق القمر الصناعي بشكل موازي لسطح الأرض عند ارتفاع معين شكل المدار الذي سيتخذه فإذا كانت السرعة تساوي الجذر التربيعي لحاصل تقسيم ثابت كيبلر للأرض على المسافة بين مركز ي الجرمين (V= ) فإن المدار سيكون دائري الشكل. إما إذا كانت السرعة أقل من هذه السرعة فسيكون المدار بيضاوي الشكل وتكون الأرض في المركز الأبعد للمدار عن نقطة الاطلاق. وإما إذا كانت السرعة أعلى من هذه السرعة فسيكون المدار أيضا بيضاوي الشكل ولكن تكون الأرض في المركز الأدنى للمدار من نقطة الاطلاق. وإذا ما بلغت سرعة الاطلاق حاصل ضرب سرعة المدار الدائري بالجذر التربيعي للرقم اثنان فسيكون المدار من نوع القطع المكافيء (Parabola) وهو مدار غير مغلق يهرب فيه القمر الصناعي إلى الفضاء الخارجي ولذا تسمى هذه السرعة بسرعة الهروب أو الإفلات (escape velocity).وتبلغ سرعة الإفلات من الأرض (11.17 km/s) أو أربعين ألف كيلومتر في الساعة تقريبا. وإذا ما زادت سرعة الاطلاق عن سرعة الإفلات فسيكون المدار من نوع القطع الزائد (Hyparabola) وهو أيضا مدار غير مغلق تكون فيه قيمة الانحراف المركزي أكبر من واحد بينما يساوي الواحد في مدار القطع المكافيء. وتستخدم المدارات من نوع القطع المكافيء والزائد غير المغلقة لإرسال المركبات الفضائية إلى الفضاء الخارجي لاستكشاف كواكب المجموعة الشمسية والشمس وغيرها.
الإنفجار العظيم وطاقةالكون واستقراره
إن وضع قمر صناعي بوزن لا يتجاوز الطن الواحد وفي مدار يرتفع عن سطح الأرض 400 كيلومتر يحتاج لحرق عدة مئات من الأطنان من الوقود وعلى ذلك علينا أن نتخيل كمية الطاقة اللازمة لوضع قمر الأرض الذي يبلغ وزنه 73 بليون بليون طن في مدار حول الأرض على إرتفاع 384 ألف كيلومتر أو وضع الأرض وبقية الكواكب حول الشمس وهكذا لبقية أجرام الكون. وإذا ما قمنا بحساب كمية الطاقة التي تلزم لوضع بلايين البلايين من النجوم والكواكب في مداراتها فإن الرقم سيفوق حد التصور وبالتالي يثار سؤال مهم حول مصدر هذه الطاقة والكيفية التي وضعت بها هذه الأجرام في مداراتها. ويقدر العلماء كتلة الكون المشاهد برقم يساوي حاصل ضرب الرقم 3 بالرقم 10 مرفوع للأس 52 كيلوغرام (3 × 1052 Kg) وإذا ما علمنا أن كتلة الشمس تساوي حاصل ضرب الرقم 2 بالرقم 10 مرفوع للأس 30 (2 × 1030 Kg) فإن كتلة الكون تعادل 15 ألف بليون بليون كتلة شمسية (solar mass). أما كمية الطاقة الموجودة في هذا الكون فتقدر برقم يساوي حاصل ضرب الرقم 4 بالرقم 10 مرفوع للأس 69 جول (4 × 1069 Joule) وللمقارنة فإن كمية الطاقة التي تشعها الشمس في الثانية الواحدة هي تقريبا 400 بليون بليون ميجاوات (3.86 × 1026 Joule). وهذه الطاقة تشمل الطاقة الكامنة في كتلة الكون والطاقة الحركية للإلكترونات في دورانها حول أنوية الذرات والطاقة الحركية للأقمار والكواكب والنجوم وهي تدور في مداراتها المختلفة وللمجرات وهي مندفعة بسرعات خيالية في الفضاء.
ولقد تمكن العلماء من تحديد مصدر هذه الطاقة الهائلة وهو الإنفجار الكوني العظيم الذي ملأ الكون بكمية هائلة من الجسيمات الأولية أو الدخان حسب التعبير القرآني والتي كانت تندفع بسرعة وبطاقة حركية خيالية بعيدا عن مركز الإنفجار. ولقد تكونت دوامات ضخمة من ذرات المادة في مختلف أرجاء الكون وهي تنطلق بسرعات خيالية نتيجة لفعل الجاذبية بينها. ومن هذه الدوامات الدخانية الضخمة التي تدور حول نفسها تشكلت المجرات وكذلك النجوم والكواكب من دوامات أصغر في داخل هذه الدوامات الضخمة ولذا نجد أن جميع الأقمار والكواكب والنجوم والمجرات تدور في نفس الاتجاه. إن هذه الطاقة الحركية الهائلة هي التي وضعت الأقمار حول كواكبها والكواكب حول شموسها والشموس حول مراكز مجراتها وهي التي تدفع بالمجرات الضخمة بالإندفاع بسرعات خيالية لمستقراتها. ومن الصعب جدا أن نتخيل سيناريو آخر غير الإنفجار الكوني يمكنه أن يفسر وضع هذا الكم الهائل من الأجرام السماوية في مداراتها المختلفة وبهذه السرعات الخيالية. لقد حقق هذا الانفجار العظيم مطلبين من مطالب استقرار الكون على مدى عمره الطويل فالمطلب الأول هو عدم انهيار الكون على نفسه بسبب قوة الجاذبية بين أجرامه فكان الحل هو دفع مجرات الكون بسرعات عالية باتجاه بعيدا عن مركز الكون من خلال هذا الانفجار الرهيب. أما المطلب الثاني فهو عدم انهيار الكواكب والنجوم على بعضها فكان الحل في تحريكها في مدارات حول بعضها بحيث تتساوى قوة الجذب مع قوة الطرد المركزي. إن اختيار الانفجار العظيم ليكون بداية لخلق هذا الكون تدل على مدى علم وإبداع من اختاره حيث أن الكون لن يكون مستقرا أبدا لو تم خلقه بغير هذه الطريقة.
أبعاد الكون المشاهد
يقدر العلماء قطر الكون المشاهد (visible universe) وهو الكون الذي يمكن أن تراه المراصد الفلكية بما يقرب من 92 بليون سنة ضوئية بينما يبلغ عمره 13,7 بليون سنة, والسنة الضوئية (light year) هي المسافة التي يقطعها الضوء في السنة الأرضية والتي تساوي 9,46 ألف بليون كيلو متر (9.46 × 1012 km) علما بأن الضوء يقطع مسافة 300 ألف كيلو متر في الثانية الواحدة. وأما الفرسخ الفلكي (Parsec) فيساوي 3,27 سنة ضوئية أو ما يعادل 31 ألف بليون كيلومتر تقريبا. فالقمر على سبيل المثال يبعد عن الأرض 1،3 ثانية ضوئية أو ما يعادل 384 ألف كيلومتر والشمس تبعد عن الأرض حوالي 8 دقائق ضوئية أو ما يعادل 150 مليون كيلومتر بينما يبعد أقرب النجوم إلي الأرض وهو النجم ألفا سنتوريا (Alpha Centauri) 4,23 سنة ضوئية أو 1,3 فرسخ فلكي أو ما يعادل 40 ألف بليون كيلو متر . أما أقرب المجرات إلينا فهي مجرة المرأة المسلسلة أو الأندروميدا (Andromeda) وهي تبعد 2,36 مليون سنة ضوئية أو ما يعادل 22 بليون بليون كيلومتر، ويبلغ قطر المجموعة الشمسية تسع ساعات ضوئية أو ما يعادل 10 بليون كيلومتر بينما يبلغ قطر مجرة درب التبانة مائة ألف سنة ضوئية أو ما يعادل 946 مليون بليون كيلومتر وصدق الله العظيم القائل "فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ" الواقعة 75-76، وفي هذه الآية إشارة واضحة إلى ضخامة هذا الكون فالبشر لا يمكنهم إدراك عظمة القسم بمواقع النجوم إلا إذا علموا فعلا بالمسافات التي تفصل بين هذه النجوم وها نحن في هذا العصر ندرك عظمة هذا القسم بعد أن شاء الله أن نحيط بشيء من علمه حول أبعاد كونه.
ويقدر العلماء بشكل تقريبي عدد المجرات في الكون المشاهد بثلاثمائة بليون مجرة وتحتوي كل مجرة في المتوسط على مائة بليون نجم وما يتبع هذه النجوم من كواكب وأقمار. ويبلغ متوسط المسافة بين مجرتين متجاورتين 2,5مليون سنة ضوئية أو ما يعادل 23 بليون بليون كيلومتر أما متوسط المسافة بين نجمين متجاورين فتبلغ في المتوسط سنتين ضوئيتين أو ما يعادل 19 ألف بليون كيلومتر وأما المسافة بين الكواكب المتجاورة فتقاس بعشرات الملايين من الكيلومترات. أما السرعات التي تتحرك بها هذه الأجرام في الفضاء فهي في غاية الضخامة فعلى سبيل المثال فإن القمر يدور حول الأرض بسرعة 3683 كيلومتر في الساعة والأرض تدور حول الشمس بسرعة 108 آلاف كيلومتر في الساعة والشمس تدور حول مركز المجرة يسرعة 800 ألف كيلومتر في الساعة أما مجرة درب التبانة فتندفع بسرعة تزيد عن مليوني كيلومتر في الساعة. وعلى الرغم من هذه السرعات الخيالية إلا أننا نعيش آمنين مطمئنين على سطح هذه الأرض التي نحسبها ثابتة لا تتحرك أبدا وهي في الحقيقة تتحرك حركة خفية كحركة السحاب في السماء وصدق الله العظيم القائل "وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ" النمل 88. وفي هذه الآية إشارة واضحة لمبدأ نسبية الحركة الذي اكتشفه البشر بعد ألف سنة من نزول القرآن الكريم فالإنسان قد يرى بعض الأشياء جامدة لا تتحرك بينما هي في حركة دائبة ولكن لا نشعر بها كما هو الحال مع ركاب الطائرة أو حركة السحاب المتصل في السماء.